مش "عيب" .. حرام

الأربعاء 15 حزيران 2011

بقلم حمزة ناصيف

من منّا لم يسمع عبارة “الشغل مش عيب” أكثر من مرّة؟ ومن منّا لم يجد نفسه عاجزاً عن الرد أمام حيرة شخصٍ آخر يتساءل “ليش شباب البلد ما بدهم يشتغلوا؟” أكاد أجزم أن لا أحد من قارئي هذه السطور في الأردن لم يسمع هذه العبارات من قبل، وأكاد أجزم أيضاً أن لا أحد منّا لم يجد نفسه يوماً أمام تنهّدات أحد رجال الأعمال الأردنيين إذ يتساءل بإحباط “أنا مش عارف ليش في بطالة بهالبلد؟ بتعرف كم عامل وافد في بالبلد؟ أي والله بييجوا فوق الـ500 ألف واحد. أنا يا ريت، بتمنّى، إني أشغل أردنيين عندي، بس الأردني ما بدّه يشتغل، بتأفأف كثير وبتأمر عليك، وإذا أعطيته عين بيصير يتنمرد. عشان هيك بشغّل “المصاروة” عندي. إحنا الأردنيين عندنا مشكلة .. إسمها ثقافة العيب.”

إذا وجدت نفسك عزيزي القارئ أمام أحد الأمثلة السابقة، وخصوصاً المثال الأخير، فلدي لك اقتراح لما يمكن أن تقدمه كإجابة لهذه التساؤلات:

أولاً، ذكّر صاحب العبارة الأخيرة بأن الاسم الصحيح لفئة النخبة التي اختارها لموظفيه هو “المصريين” وليس “المصاروة،” وأنهم هم من بنوا الأردن ويستحقون منا على الأقل أن نناديهم بما يحبون وليس ما نحب لسبب عنجهي أو آخر.

ثانياً، إذا وجدت قليلا من التجاوب مع طرحك في النقطة الأولى وقررت بناءاً على ذلك الاستمرار إلى النقطة الثانية، فإليك ما يمكن قوله.
(هنا سأبدأ باستعمال اللغة العامية لأن الموضوع صراحة موضوع فيه شوية قرف، وموضوع سهل جدّاً أن يسبب “نفترة” والنفترة ما بينفع معها اللغة الفصحى. فرح أحكي بلغة عامية):

شوف يا سيدي العزيز شو لازم تحكي للأخ اللي بيقولك الشغل (شغل العمالة الوافدة بالذات) مش عيب، قولّه:

مزبوط مش عيب! مش عيب الواحد يشتغل حارس عمارة، بس اتذكر منيح إنه بالأردن برضو مش عيب صحاب العمارة يقولولك انكب واقعد بغرفتك رح تنام فيها مش عند عيلتك أو ببيت أهلك. طبعاً الغرفة شو بتكون؟ غرفة خنقة جنب البويلرات وتنكات السولار، وطبعاً هات عاد تعرف تنام بالليل (أصلاً المفروض ما تنام مش إنت حارس؟) من صوت مضخات المي اللي بتطلّع من التنكات اللي في الكراج للتنكات اللي عالسطح. العمارة إنت بدك تشطفها. أغراض البيت إنت بدك تجيبها. الزبالة إنت بدك تطلّعها. الناس لما تنام إنت بدك اتضلّك صاحي تحرس، ولمّا يصحوا بدّك اتضلّك صاحي كمان ورا طلباتهم. يعني بدّك تشتغل 24 ساعة باليوم، 7 أيام بالأسبوع، وبآخر الشهر تاخذ هالـ200 ليرة (بيطلعوا 28 قرش بالساعة للي بيحب يحسب)، طبعاً الـ200 ليرة هذول من ضمنهم غسيل سيارات العمارة (5 ليرات عالسيارة بالشهر وبدّك تغسلها مرتين بالأسبوع).

مزبوط الشغل مش عيب، بس الواحد لازم يعرف اللي إله واللي عليه! اللي إلك 200 ليرة، اللي عليك هو القرف اللي بيعيشه كل حارس عمارة من ورانا.

مزبوط كمان إنه مش عيب الوحدة تشتغل “خادمة” منازل. بس “كيب إن مايند” إنه برضو مش عيب إنه صحاب البيت يقولولها طلعة برّاة البيت ما في، بدّك تقعدي بغرفتك (عادة أصغر من غرفة الحارس) وتصحي بكير كل يوم وتنامي متأخرة. وجرابات وكلاسين الـ”بوس” والـ”مدام” والولاد لازم يكونوا نظاف ومرتبين طبعاً من ورا إيديكي، وبدّك تنظفي كل حمام (كل تواليت، وكل شطّافة – ما هو عشان نحكي اللي بيصير) كل يوم وتجلي الصحون والكاسات وتكنسي الغبرة وتنظفي شبابيك الغرف من جوّه ومن برّه (لازم من برّه) إن شا الله كانت الشقة في الطابق السابع وإن شا الله بتوقعي وبتموتي، ما حدا رح يسأل عليكي. وكمان مرّة تذكري إنك ما تحلمي بطلعة من البيت لحالك لا يوم عطلة أسبوعية ولا شهرية، ويا ويلك وسواد ليلك إذا البوس والمدام عرفوا إنه معك تلفون خلوي، شو بدّك فيه؟ عندك صحاب؟ جايبينك عشان تحكي مع صاحباتك؟ ويا حبيبي يا حبيبي إذا بدّك تنضربي على قلبك واتحبّي والاً تخطبي، بدّك تجيبيلنا واحد أزعر عالبيت؟! حبّك برص والعشرة الخرس إن شا الله! إنت جاي هون عشان تنظفي وتكنسي وتشطفي 24 ساعة باليوم، 7 أيام بالأسبوع، 52 أسبوع بالسنة. غير هيك مافي!  طبعاً كل هذا الحكي عشان إيش؟ عشان 140 دينار بالشهر.

وطبعاً كلنا عارفين إنه مش عيب الواحد يشتغل “صبي” قهوة وشاي بشركة. بس يا ترى هل كل واحد حابب يشتغل صبي بيعرف إنه برضو مش عيب يقعد من الساعة 7 الصبح للساعة 7 المسا على كرسي بلاستيك بـ”مطبخ” الشركة (برضو مترين بمترين). آه، وإنت ما بيطلعلك اتحط أغراضك بالثلاجة اللي فيه، هاذي بس للموظفين الثانيين. طبعاً الموظفين اللي لازم إنت اتنظف وراهم الحمامات كل يوم. وطبعاً إنت ما بتستعمل نفس الحمامات، إنت إلك حمام صغير إلك لحالك! طبعاً مش عيب يكون إلك حمام صغير خاص، بس ليش يا ترى عيب إنك تستعمل حمامهم؟!! “أني وايز” بتنكب وبتقعد بـ”المطبخ” من الصبح للمساء، وبتعمل قهوة وشاي وبتنظف مكتات السجاير وبتجلي الفناجين والكاسات، وبتنظف الحمامات، وبتنزل عالسوبر كل أكم يوم عشان تجيب أغراض ولمّا حدا بالمكتب بيضطر يسوّي أي إشي فيّه توسيخ إيدين طبعاً إنت بدّك تعملّه إيّاه؟ كل هذا طبعاً عشان شو؟ 120 ليرة. طبعاً لا تستغرب إذا انطلب منك اتنام بالمكتب كل يوم وتشتغل حارس إذا كان المكتب هو عمارة صغيرة ما فيها حارس. بدك تكون حارس وصبي بنفس الوقت. قدّيش بدّك زيادة عشان تحرس؟ 20 ليرة؟

ممكن برضو نحكي إنه مش عيب الواحد يشتغل عامل بناء. بس برضو مش عيب إنه المقاول يطلب منك (عادة بتكون صيغة أمر مش طلب) إنك تطلع تدق أسافين حجار عالطابق السابع من غير ما يوفرلك أي وسيلة حماية عدا عن سقالة مصنوعة من ألواح خشب مستعملة ومدقوقة مسامير الله أعلم فيها. وبرضو مش عيب إنه توقع عليك يوم من الأيام حيطة مايلة لأي سبب أو آخر؛ يمكن إهمال عامل غير مؤهل جايبينه يشتغل معك، يمكن خطأ تصميمي، أو يمكن من المقاول اللي بيقص مواد عشان يالله يالله بتوفي معه. كل هذا مش عيب. طبعاً، لأنه عمره الموت ما كان عيب!

في الأردن يا حبيبي، كل هاي الشغلات مش عيب والكل عارف هذا الحكي، في كلمة ثانية بتنحكى عنها بس إحنا شعب كثير بينسى (أو بيتناسى). هاي الشغلات مش عيب، هاي الشغلات حرام، هاي الشغلات استعباد! والمرّة الجاي لمّا واحد يقولّك “ليش الشباب ما بتشتغل؟ الشغل مش عيب، والبلد معبّاية ‘مصاروة وسرلنكيات وبنغلاديشيين‘” قولّه مزبوط حكيك، الشغل مش عيب، بس العيب إنه نستعبد الناس ونشغلهم عندنا سُـخرة، وبعدين مع كل هاد ننسى حالنا ونقعد نعايب عالناس الثانيين ليش كرامتهم ما بتسمحلهم ييجوا يشتغلوا عبيد عندنا!

عشان هيك الشحاد اللي بتشوفه بالشارع بيشحد، عشان وضعه ما وصّل لدرجة العامل الوافد اللي ببلاده في فقر أسوأ من الموجود عندنا. الشحاد بيطلب منك مصاري وبتعطيه من غير ما تعرف إسمه ولا يعرف إسمك، وإذا شفته مرّة ثانية يمكن ما تعرفه. بس العبد اللي بتشغله عندك (حارس عمارتك، خدامتكم بالبيت، أو صبي الشاي والقهوة، أو المزارع المصري بمزرعتك)، وهويّته وجوازه بتخلّيهم معك بتعرف إسمه وبتعرف إنه فلان إبن علاّن عبد بيشتغل عندي. الشحاد بيقولك أشحد وما حد يعرف مين أنا أشرفلي من ما أشتغل عبد عند واحد يتأمر علي كل دقيقة، وبالنهاية الشحدة بتطلّع مصاري أكثر.

آخر إشي لازم ينحكى، هو إنه كل بلاد العالم فيها شحادين، بس مش كل بلاد العالم فيها عبيد. المشكلة مش الشحادين، المشكلة الشعب اللي ما بيخاف الله!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية