الربيع الصامت في الوطن العربي: نحو اقتصاد أخضر

الإثنين 01 آب 2011

بقلم: أ.د. عودة الجيوسي – المدير الإقليمي لمنطقة غرب آسيا في الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة

إن موجة الحراك المجتمعي التي يشهدها الوطن العربي منذ مطلع هذا العام تمثل نتيجة طبيعية لما آل إليه حال التنمية في المنطقة، حيث أنه لا يمكن الفصل بين منظومة الاقتصاد والمجتمع والبيئة وحقوق الإنسان لأنها كلها ترتكز على الرأسمال الطبيعي من موارد النفط والغاز والماء والمراعي والمحميات الطبيعية والمناطق الساحلية.

إن المتأمل في المؤشرات والإحصائيات على صعيد الوطن العربي يلاحظ جملة مركبة من المحددات تشمل شح الموارد وسوء الإدارة والاستهلاك المفرط والفساد. ففي هذا الوطن الذي يأوي حوالي 334 مليون نسمة وبزيادة قد تصل إلى 586 مليون نسمة بحلول عام 2050 يعاني السكان من نقص في حصة المياه حيث من المتوقع أن تقل حصة الفرد عن 500 متر مكعب بحلول عام 2050. ويعاني حوالي 96 مليون مواطن من غياب خدمات الصرف الصحي ويفتقر حوالي ربع السكان (83 مليون نسمة) إلى مياه شرب نظيفة. ومن الجدير بالذكر أن حوالي 60% من المياه في الوطن العربي يأتي من خارج الحدود القطرية.

ويُغطّي التصحر نحو (9.7) مليون كيلو متر مربع من المساحة الكلية، أي نحو 68% من المساحة الإجمالية للدول العربية، وإن هناك ما يزيد على (900) مليون نسمة يتهددهم شبح الجفاف والفقر، بالإضافة إلى (500) مليون هكتار من الأراضي الزراعية التي تحوّلت إلى صحارى. وتتناقص حصة الفرد من الأراضي المزروعة بنسبة 50% مما كانت عليه قبل ثلاثة عقود. ومن المتوقع أن يحدث التغير لمناخي على التنوع البيولوجي في البلدان العربية، فارتفاع الحرارة بمقدار درجتين مئويتين سيؤدي إلى انقراض ما يصل إلى 40% من جميع الأنواع.

ورغم شح موارد المياه إلا أن الوطن العربي يحظى بوفرة في مصادر الطاقة المتجددة والتقليدية (من نفط وغاز طبيعي). لكن مصادر الطاقة التقليدية تمثل تحدياً للحكم الرشيد والتنمية المرتبطة بالإنسان، فنجد أن عوائد النفط لم يتم استثمارها في إنتاجية مستدامة ولم يتم تحويل النفط إلا بشكل محدود إلى صناعات تحويلية إنتاجية تعود بالنفع على المنطقة ككل مثل مشاريع البنية التحتية المشتركة في الوطن العربي كسكك الحديد العربية والمشاريع العربية المشتركة. وهناك محدودية في الاستثمار في الطاقة المتجددة رغم أنها تمثل بديلاً مستداماً وتوفر فرصاً مستقبلية للشباب الذي يمثل حوالي 60% من سكان المنطقة العربية.

فمثلاً في مصر شهد حراك المجتمع المدني شعارات حول سوء إدارة الموارد الطبيعية حيث أن الغاز الطبيعي يباع بحوالي ثلث قيمته في الأسواق العالمية وهذا يوفر حوالي 3 بليون دولار سنوياً. وفي بعض البلدان العربية نشهد خللاً في استخدامات الأراضي والملكية العامة للأراضي والمراعي بحيث استحوذ أصحاب النفوذ السياسي على الأراضي وأثروا على حساب المواطن البسيط الذي يكافح لسد لقمة العيش. ويشهد الوطن العربي فساداً مالياً في تجارة السلع عبر وساطات الشركات الكبرى وأصحاب السلطة في ظل غياب المساءلة والشفافية ودولة القانون.

وتفيد الدراسات بأن حوالي 20-30% من المنح الخارجية والدعم الخارجي للدول النامية يبدد نتيجة الفساد وهذا يمثل كلفة الفرصة البديلة حيث كان من الممكن استثماره في مشاريع تنموية تعود بالنفع على البلاد والعباد. وكذلك تقدر كلفة التدهور البيئي في المنطقة العربية بحوالي 2.4 – 4.8 % من إجمالي الناتج المحلي.

إن الربيع الصامت في الوطن العربي هو نتيجة لضعف دور المجتمع المدني والإعلام والتعليم وعدم العدالة في توزيع الموارد الطبيعية بمعدلات عالية والاستهلاك المفرط وغياب الحكم الرشيد وغياب المشروع العربي التنموي المتكامل الذي يعزز كرامة الإنسان وحقه في حياة كريمة.

وحتى يتحول الربيع العربي إلى ربيع أخضر لا بد من حركة إصلاح شاملة لإعادة بناء وعي إقليمي بالمحيط الحيوي (bio-region) ضمن إحصائيات جديدة تعتمد الإقليم كوحدة للتحليل ومراجعة دور المؤسسات الإقليمية بحيث تحقق مفهوم الأمن الإنساني والبيئي والتكامل الاقتصادي. إن في المستقبل العربي فرصاً لا بد من الاستثمارها بها للتحول نحو الاقتصاد الأخضر من أجل تنمية مستدامة.

الصورة بعدسة محمد عصفور | Photo by Mohammad Asfour

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية