الجريمة باسم الشرف .. نوابنا عار على ذكائنا

السبت 24 أيلول 2011

بقلم عبير هشام أبو طوق

“وضع خالد كوبا على شفتي كفاية، وطلب منها أن تشرب بعض الماء، سألها إن تتلو بعض الآيات من القرآن واستل سكينا، توسلت كفاية الرحمة، استمع الجيران في الخارج، لكنهم لم يفعلوا شيئا عندما شرعت في الصراخ”.

” .. كان عم ايناس في انتظارهما، صوب مسدسه وأطلق الرصاص تكرار على ابنة شقيقه، ثم أعاد تعبئة مسدسه وأطلق ما مجموعه (22) طلقة قبل أن يتغلب عليه حرس الحدود”.

“شاهد سمير اياد، ابن الرابعة والثلاثين، شقيقته حنان تسير في الشارع في الثامنة صباحا في مدينة الزرقاء بصبحة رجلين، استبد به الغضب على ما يبدو، شهر مسدسه وأطلق عليها ثلاث مرات في الرأس، ثم جلس بهدوء، دخّن سيجارة محدقا بجثة شقيقته وهو ينتظر أن تأتي الشرطة وتعتقله”.

“أبلغني ضابط في الشرطة زار مسرح الجريمة أن الضحية كانت جالسة على الأريكة تتحدث الى شقيقها وهي تسرح شعرها عندما أطلق عليها خمسة عيارات في الرأس من الخلف، “لن أنسى أبدا، كانت عندما وصلنا لا تزال جالسة على الأريكة والفرشاة لا تزال معلقة في شعرها”.

“انتظرت أم في التاسعة والستين ابنتها التي في السادسة والعشرين أن تغفو وقد أنهكتها ولادة طفلها الذكر غير الشرعي، جاءت الوالدة بابنتها الأخرى وقتلتا الضحية معا بالفأس وهي نائمة، وسلمتا نفسيهما بعد ذلك فورا الى الشرطة”.

انتهت الاقتباسات …

ذُهلت .. بكيت .. وضعت رأسي بين يدي أكثر من مرة وأنا أقرا حالات القتل المروعة التي ذكرتها الصحفية الشجاعة رنا الحسيني في كتابها الصادر باللغتين العربية والانجليزية بعنوان “الجريمة باسم الشرف”.

في هذا الكتاب، والذي قرأت النسخة العربية منه أكثر من مرة مؤخرا تحدثت رنا بمرارة بالغة وبمعاناة واضحة وتعاطف في محله عن “نسوة اغتصبن وقتلن .. عن سفاحات قربى وعن ضحايا خفايا في بيوتنا” كما جاء على غلاف كتابها الذي وثق مسيرة أعوام زادت على العشرين قضتها رنا بين ردهات المحاكم وملفات القضاء وداخل قضبان السجن للاستماع الى قصص واقعية لفتيات احتجزت حريتهن خوفا عليهن من القتل، وعبارات مؤثرة وردت على لسان قتلة وأولياء أمور فتيات قتلن بدون سبب، قتلن لمجرد الشك بوجود جريمة تسمى مجازا بأنها باسم الشرف!

من بين حالات القتل التي رصدتها رنا في كتابها، واقعة قتل “آمنة”، والتي كانت في الواحدة والعشرين من عمرها .. تعرضت لحادثة اغتصاب من قبل جارهم في الشقة المقابلة لبيتهم، بعد الحادثة وبحسب رواية والدتها للحسيني “جاءتني يوما ابنتي آمنة تشتكي من أوجاع في بطنها، اعتقدت انها زائدة دودية، ولذا أخذتها للطبيب، تخيلي هولي عندما أبلغني آخر أمر كنت أتوقعه، ابنتي حامل!”.

بعد عودة آمنة ووالدتها من عيادة الطبيب الى البيت استمع محمد، الاخ الاكبر لآمنة لما حصل معها، وقرر أن “يغسل شرفه” بحسب المصطلح المتداول، أطلق النار على آمنة من مسدس كان يحمله وهو بطريقه لمغادرة البيت لحضور عرس .. لقد أفرغ الرصاص بجسد آمنة التي تعرضت لحادثة اغتصاب، ولم يكن ما فعلته برضا منها، بل رغما عنها، لكننا لا نزال تعيش في مجتمعات تنظر للمرأة بأنها “صاحبة الخطيئة في كل ما يحصل” وكأن جريمة الاغتصاب بطلها الوحيد هي الفتاة لا تقع بوجود شخصين: ذكر وأنثى!

ما حدث مع آمنة والتي قتلها أخوها الذي حصل لاحقا على حكم مخفف يعتبر عاديا بل وعملا ذكوريا بطوليا بسبب القوانين البالية التي لا زالت تحكم عقولنا للآن والتي عجز أكثر من مجلس نواب للآن عن تعديل القوانين التي تقف الى جانب من قتل أخته .. أمه .. زوجته دفاعا عن الشرف، فلا تكتفي القوانين الحالية بذلك من ناحية انصافهم لأنهم “غسلوا شرفهم وطهروا عائلاتهم”، بل تمجد القتلة وترفع من شأنهم في المجتمع بكونهم أبطال، لكنهم بنظري ونظر الكثير من الاشخاص الآخرين أنذال جدا.

يُسجل للصحفية رنا الحسيني خوضها هذا المجال الصعب “ما يسمى بجرائم الشرف” لتغطيته صحفيا رغم كل ما تعرضت له منذ بداياتها الصحفية في الجوردان تايمز وللآن، لكنه الشغف للعمل .. الرغبة بالتغيير لتحسين حياة مئات الفتيات المهددات بالقتل لأسباب واهية يُسندها القتلة وبعض المحامين والقضاة بأنها مشروعة لدفاعها عن الشرف!

كفاية .. نادية .. آمنة .. وغيرهن الكثيرات كن ضحايا للطرق التقليدية التي يُفكر بها عامة المواطنين في الأردن، بحيث يقتلن أقاربهن من الفتيات لأنهن بنظر المجتمع فاسدات اخلاقيا، على اعتبار أن “المجتمع لا يرحم” كما ذكر قاتل في حديثه لرنا مبررا قتله لأخته.

شخصيا، ورغم رفضي التام لأي مبررات يقدمها القتلة لاقناع من حولهم بأن ما فعلوه هو الصحيح الا أنني أتغاضى أحيانا عن كلام يصدر من أشخاص قتلة أميين، غير متعلمين، لكن أن يعتبر النائب الحالي في مجلس النواب المحامي محمود الخرابشة في تصريح سابق كتبته الحسني على لسانه لاحدى مقابلاتها الصحفية في الجوردان تايمز قولا مفاده “تُشكل النساء الزانيات تهديدا كبيرا لجتمعنا، لأنهن السبب الرئيسي في حصول مثل هذه الأفعال (الزنى)، فلو أن الرجال لا يجدون نساء يرتكبون معهن الزنى، فسيصبحون عندها ولوحدهم صالحين”.

يا إلهي، ألهذه الدرجة تُشكل النساء خطورة على المجتمع الاردني، تفضلوا يا سادة إن قول الخرابشة عينة للأشخاص الذين يشرعون القوانين لأكثر من ستة مليون مواطن أردني، نسبة كبيرة منهم هنّ من السيدات والفتيات!

طبعا، لكم أن تتخيلوا الآن أو تتوقعوا مقدار الممانعة التي واجهتها الحسيني برفقة أصدقاء .. صحفيين .. نشطاء في المجتمع المدني .. رجال دين مسلمين ومسيحين عندما أعلنوا نيتهم معا البدء بتنظيم أكثر من فعالية للحد من جرائم العار كما يحلو لي تسميتها.

فها هو الكاتب الأسبق في جريدة العرب اليوم “عبد اللطيف زهد” يكتب مقالا في صحيفته عام 1999 قال فيه أن “الملامة في الزنى في مجتمعنا تقع على النساء”، مجادلا بأن “النساء هن المسؤولات عن تدنيس شرف عائلاتهن وسمعتها”، وكأن الكاتب الذي يفترض فيه الوعي والاطلاع لا يعلم بأن شرف العائلة ليس محصورا في الفتيات فقط!

ولأن أي تحرك يقف لمصلحة المرأة في مجتمعنا يوصف دائماً من الآخرين بأنه سيدمر أخلاق البلاد والعباد، فقد قال الأمين العام لجبهة العمل الاسلامي في وقت سابق الدكتور عبد اللطيف عربيات واصفا تحرك رنا والمؤيدين لفكرة ايقاف ما يسمى بجرائم الشرف في الأردن بأنها “مؤامرة غربية لتدمير مجتمعنا وافساده .. لقد احتلنا (الغرب) عسكريا وسياسيا، وها نهم يريدون الآن تدمير مجتمعنا، حصننا الأخير”، سؤال بري لكم أيها القراء: ما التغييرات أو الامور الايجابية التي أحدثها الاخوان المسلمين للأردن منذ تأسيسهم وللآن؟ اترك لكم حرية الاجابة لكن عن نفسي أقول “لم يحققوا لنا شيئا يذكر .. فكل همهم في الوقت الحاضر تحديدا تنظيم المظاهرات للمطالبة بالاصلاح .. يا اخوان صلحوا حالكم وأفكاركم بالاول”.

رغم كل ما سبق لم تهبط عزيمة الحسيني ومن معها، بل زادت من همتها وعزمها اضافة لمن معها لمحاربة جرائم الشرف، فقد استمروا بتنظيم المسيرات وجمع التواقيع للمطالبة بتعديل القوانين ساندهم في ذلك شخصيات رفيعة المستوى من العائلة المالكة ونشطاء المجتمع الاردني وفي مقدمتهم الامراء علي بن الحسين .. غازي بن محمد وجلالة الملكة نور الحسين التي افتخرت – ويحق لها – بجهد رنا الحسيني فقد تحدثت عنها في كتابها الذي حمل عنوان “وثبة ايمان”، الصادر في العام 2003 اذ قالت جلالتها اعترافا بالدور المؤثر لرنا “لفتت الصحافية الأردنية رنا الحسيني لوحدها تقريبا انتباه الشعب الى هذه المشكلة من خلال سلسلة من المقالات على امتداد سبعة أعوام، انتقد الكثيرون عملها ودوافعها، بل الى بعض الطاعنين بها وجهوا اليها رسائل بغيضة وتهديدات، لكن رنا واظبت، وحصلت انجازاتها على اهتمام خاص عندما منحت جائزة ريبوك لحقوق الانسان في 1998”.

نيابيا، وبعد جدال مستمر وأكثر من جلسة نيابية كان القرار بالغاء تعديل المادة رقم (340) من قانون العقوبات لسنة 1960 والمعدل بالقانون المؤقت رقم 12 لسنة 2010 والتي تنص على: 1/” يستفيد من العذر المخفف من فوجىء بزوجته اواحدى اصوله او فروعه او اخواته حال تلبسها بجريمة الزنا او في فراش غير مشروع فقتلهما في الحال ، او قتل من يزني بها اوقتلهما معا او اعتدى على احدهما او كليهما اعتداءا افضى الىجرح او ايذاء او عاهة دائمة او موت.

2- 2/ ويستفيد من العذر ذاته الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنا او في فراش غير مشروعفي مسكن الزوجية فقتلته في الحال او قتلت من يزني بها اقتلتهما معا او اعتدت على احدهما او كليهما اعتداءا افضى الى جرح او ايذاء او عاهة دائمة او موت.

3/أ ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي بحق من يستفيد من هذا العذر

3/ب كما لا تطبق على من يستفيد من العذر المخفف احكام الظروف المشددة”

وقتها اعتبر مقرر لجنة الشؤون القضائية في مجلس النواب المحامي محمود الخرابشة نفسه بأنه يحظى بدعم سبعة وعشرين شخصية من أهم نواب الاردن ممن يعارضون الغاء المادة 340 لقوله “مشروع القانون هذا هو واحد من أكثر التشريعات التي ينظر فيها المجلس خطورة، لانه يتعلق بنسائنا ومجتمعنا، وبخاصة في ضوء التهديد الذي تشكله العولمة”.

طبعا، لم يكن الخرابشة وحده الرافض لتعديل المادة القانونية المذكورة، فقد بينت الحسيني في كتابها بأن موقف النائب الحالي وفي ذلك الوقت عبد الرؤوف الروابدة كان مؤيدا لوجهة نظر الخرابشة، اذ اعتبر الروابدة الذي اصبح أول رئيس وزراء في عهد الملك عبد الله الثاني بأن حملة وقف قتل الفتيات الاردنيات باسم الشرف “حملة تضليل مدفوعة من الغرب تهدف الى ضرب اخلاقيات مجتمعنا”، بينما وصف نائب آخر مشروع القانون بأنه “وثيقة تشرع الزنى وتدمر المبادئ الاخلاقية الاسلامية”.

لكن كان للنائب عن محافظة مأدبا نشأت الحمارنة رأيا مخالفا لآراء زملائه الخرابشة، الروابدة وآخرين والذي دافع عن تعديل المادة رقم (340) واصفا اياها بأنها “أضحت بمثابة سيف مسلط على رقاب نسائنا .. لم نسمع أبدا عن رجل قتل باسم الشرف، علينا الغاء أي تشريع يقف في وجه تحرير نسائنا”.

مسيرة طويلة قضتها رنا وحُماة حقوق المرأة وحق في الحياة لتعديل قوانين تنصف الرجل بل وتمجده على حساب الضحايا البريئات، فلن تكفي مدونة ولا كتاب لرصد الجهو الجبارة التي بُذلت ولا تزال على أمل أن يتم التغيير، لكنني ومع كل الشهادات الرافضة لتعديل القانون وجدت نفسي وقد توقفت كثيرا عند تصريح “للزعيم القبلي” بحسب ما وصفته رنا (طراد الفايز) والذي اصبح لاحقا وزيرا عندما صرح لوكالة الاسوشيتدبرس معبرا عن امتعاضه من الحملة قائلا “لا مغبة في قتل كل من يثبت أنه ارتكب فعلا شنيعا .. والمرأة أشبه بشجرة الزيتون يجب قطع أغصانها عندما تلتقط ديدان الخشب، بحيث يبقى المجتمع نقيا ونظيفا، لن نصبح مثل أوروبا والدول الغربية ونتغاضى عن الانفلات، نحن قبائل ومسلمون ورعون، نتمسك بتقاليدنا”.

ما رأيكم بمثل هذه التصريحات والتي تصدر عن نواب .. قضاة .. محامون ووجهاء قبائل في الاردن، والذين يُفترض فيهم لعلمهم ومكانتهم في المجتمع أن يكونوا أكثر رأفة بفتاة أغتصبها أخوها، ومن ثم حملت منه لكنه لاحقا يقتلها بمباركة العائلة والجيران والاصدقاء لأنها “دنست شرفه”، وقد نسى أو تناسى هذا الوقح بأنه هو من تناسى شرفه .. ودينه وعائلاته وأخلاقه عندما ارتضى لنفسه أن ينام مع أخته دون أي تفكير فكل همه ارضاء نزوة عابرة!

في ختام هذه المراجعة السريعة لكتاب “الجريمة باسم الشرف” سأكرر أمنية الصحفية النشيطة رنا الحسيني والتي كتبتها في أولى صفحاته، عندما قالت في معرض اهداءها الكتاب لابنيّ شقيقها زين وهنا “لعل الجريمة باسم الشرف تصبح لكما شيئا من الماضي”، أتمنى وغيري كثيرين يا رنا أن تتحق أمنيتك فهي أمنيتنا جميعنا نحن الرافضين لحالات القتل المتكررة باسم الشرف، لكن ذلك لن يتحقق الا بانتخاب مجلس نواب يضم أشخاص راغبين بالتغيير والتعديل .. لأن النواب الرافضين لذلك سيبقون “عار على ذكائنا” كما ذكر الكاتب الصحفي باتر وردم في واحدة من مقالاته المؤيدة لتعديل القوانين.

لروح كفاية .. آمنة .. وغيرهن كثيرات من الفتيات البريئات، الطاهرات العفيفات والمظلومات نقرأ سورة الفاتحة .. رحم الله أرواحكن البريئة، فهذا ما أملك قوله وكثيرين غيري في ظل عجز البرلمان عن قصد أو بدونه لعدم تعديل الكثير من المواد القانونية وخاصة تلك التي تعتبر من يرتكب جريمة باسم الشرف بطل، وهو بعيد جدا عن ذلك.

يا رنا الحسيني .. متى سيأتي اليوم الذي سنعتبر فيه جرائم الشرف ارثا من الماضي ولن يتكرر مستقبلا؟

—–

ملاحظة من المحرر: تطلق مبادرة لا شرف في الجريمة مساء اليوم السبت حملة أين نقف، مع تأبين لضحايا ما يسمى بالشرف، في مسرح البلد الساعة السابعة مساءً

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية