ماذا لو كان سوق المشتقات النفطية في الاردن تنافسياً؟

الإثنين 15 نيسان 2013

بقلم جواد جلال عباسي

لو خضع سوق المشتقات النفطية للتنافس بالكامل في الأردن هذه السنة واكتفت الحكومة بالقيام بدور المنظم الضامن لوجود المنافسة الفاعلة الحقيقية بين مزودي ومستوردي المشتقات النفطية لحصل الاتي:
•    ستحدد الحكومة السقف الأعلى لسعر المشتقات النفطية كل شهر وتتنافس المحطات فيما بينها على الخدمة وأو على السعر. أي أن السعر سيختلف من محطة لمحطة ومن موقع لموقع، مع تحديد الحكومة للمواصفات القياسية لكل مشتق بالإضافة إلى الحد الأعلى لسعره.

•    سيدفع المستهلكون في العقبة ومعان والكرك والطفيلة على للبنزين والديزل والكاز أسعاراً أقل من التي سيدفعها أهل عمان والزرقاء وإربد.

•    ستقل الفاتورة النفطية الكلية للاقتصاد الاردني بسبب المنافسة مع ثبات تحصيل الحكومة الضريبي من المشتقات النفطية.

•    ستزيد جودة المشتقات النفطية المتوفرة بالسوق.

لماذا؟ لناخذها واحدة واحدة:

في تحديد السقف الأعلى للأسعار: تستطيع الحكومة تحديد الحد الأعلى لسعر المشتقات استناداً الى نفس المعادلة التي تستخدمها الآن للتسعير. فهي معادلة شاملة تحتوي على تفصيل لكلفة النقل البحري والتأمين البحري والفواقد من جراء النقل البحري وكلفة الاعتماد المستندي ورسوم مؤسسة الموانئ وغرامات التأخير وكلفة التخزين والمناولة في مرافق شركة المصفاة واجور النقل من مرافق شركة المصفاة في العقبة إلى خزانات شركة المصفاة في الزرقاء والفواقد من النقل البري وكلفة المناولة والتخزين في خزانات المصفاة في الزرقاء وكلفة التخزين التشغيلي وكلفة التخزين الاستراتيجي والربح المحدد للمصفاة واجرة النقل البري من المصفاة الى محطات المحروقات وكلفة التوزيع وعمولات محطات المحروقات والتقريب وكلفة تغير قيمة المخزون.

في أن تكون كلفة المشتقات في المحافظات الجنوبية اقل من عمان والزرقاء: المشكلة بالوضع الحالي أن المعادلة الحكومية تحدد السعر وتفرضه على الجميع. ولا تسمح بالتنافس بين مستوردين مرخصين أو بين المحطات. فما الذي يمنع شركة ما من استيراد المشتقات وتخزينها بالطفيلة لخدمة المحافظات الجنوبية مباشرة من دون تخزينها في خزانات شركة المصفاة بالزرقاء؟ أو ما الذي يمنع شركة ما من تخفيف “فواقد النقل البري” وعكس ذلك على السعر للمستهلك؟ كذلك فإن أسعار العقار في الكرك ومعان والطفيلة أقل بكثير من أعار العقار في عمان والزرقاء وإربد. وعليه فان كلفة انشاء وتشغيل محطات الوقود في الجنوب أقل من الكلفة في عمان وإربد والزرقاء وهذا سينعكس على الاسعار أيضاً.

في تقليل الفاتورة النفطية الكلية للاقتصاد الأردني: لننظر إلى الإفصاحات الرسمية لوزارة الطاقة ومصفاة البترول. ايضاح رقم 33 لميزانية الربع الثالث لشركة مصفاة البترول يقول “يرتبط مستقبل نشاط التكرير في الشركة بتنفيذ مشروع توسعتها والذي يهدف الى …تحويل منتج زيت الوقود الثقيل إلى المشتقات عالية الجودة مثل الغاز المسال والبنزين ووقود الطائرات والديزل“. ووزارة الطاقة تقول أن “كلفة المصفاة الصناعية حوالي 90 مليون دينار سنوياً وهي تشكل حوالي 2.25 بالمئة من قيمة فاتورة الطاقة السنوية“.

فالواقع واضح: المصفاة بوضعها الحالي تنتج نسبة مشتقات غالية الثمن (بنزين وديزل وبنزين طائرات) أقل بكثير من المصافي الأحدث. وفيما تقول وزارة الطاقة ان الكلفة الصناعية للمصفاة 90 مليون دينار لا تحدد الوزارة كلفة الفرصة الضائعة من فقدان كميات كبيرة من البنزين والديزل وينزين الطائرات التي كان يمكن تكريرها لو قامت المصفاة بمشروع التوسعة. فالاقتصاد الاردني يتحمل كلفة النفط الخام بسعره العالمي وعندما تنتج المصفاة كميات اقل من الحد الأمثل من المشتقات الأغلى من كل برميل نفط خام فهذا كلفة إضافية على الاقتصاد. فعلى وزارة الطاقة حساب هذه الكلفة الاضافية والتي يتحملها الاقتصاد الأردني. فلنوضحها بمثال من الزيتون: عصر الزيتون ينتج زيتاً غالي الثمن وجفت قليل الثمن. اذا أردنا عصر 1000 كغم زيتون وعندنا معصرتان بنفس أجور العصر؟ هل نختار المعصرة التي تنتج نسبة زيت أقل أم نختار التي تنتج أعلى نسبة زيت؟ فالمعيار ليس فقط أجور العصر بل أيضاً ناتج العصر من نسبة زيت ونسبة جفت. وينطبق هذا على المصفاة: وزارة الطاقة يجب ان تحسب كلفة النفط الخام الذي لم يتحول الى بنزين وديزل بل تحول الى زيت وقود بسبب المصفاة. فرق القيمة هو كلفة حقيقية إضافية على الاقتصاد.

وفي ثبات تحصيل الحكومة الضريبي من المشتقات النفطية: هذا لأن الحكومة تستطيع أن تجعل الضريبة على المشتقات النفطية ضريبة مقطوعة على اللتر بدلاً من ضريبة نسبية على السعر. فتحصّل الضريبة بميناء العقبة من المستوردين وفي مصفاة البترول استنادا على كمية المشتقات ولا دخل لها بالفاقد والتبخر وكلف النقل وغيرها. وتكون التحصيلات الضريبية ثابتة كونها لا تتأثر بارتفاع وانخفاض الأسعار العالمية.

أخيرا ستزيد جودة المشتقات النفطية المتوفرة بالسوق لان التحرير سيسمح باستيراد مشتقات ذات جودة أعلى. فنفس المصفاة تتحدث في تقاريرها عن نسبة الكبريت العالية جداً في الديزل المنتج فيها (1.2% مقابل 50 جزء بالمليون في المصافي الحديثة) أي أن نسبة الكبريت في ديزل المصفاة 240 ضعف النسبة في المصافي الحديثة. وهذا له تاثير خارجي على صحة المواطنين والتلوث ايضاً.

الجميل أن فريق وزارة الطاقة في الأردن – على لسان عطوفة أمين عام الوزارة عندما حاورته في ندوة لنادي خريجي الجامعات البريطانية- مقتنع بالضريبة المقطوعة على اللتر (الحجم) وبتحديد الحكومة للحد الأعلى للاسعار والسماح بالمنافسة. يبقى أن يقتنع مجلس الوزراء برأي خبراء وزارة الطاقة نفسها!

يبقى موضوع المصفاة: هذه ليست دعوة لإغلاقها. بل دعوة لتعريضها – وهي الشركة الخاصة ذات الإدارة الحصيفة – إلى ضغوط التنافس والتحرير. فالتحرير هو الوصفة الأحسن لتحفيزها على الإبداع والاستثمار وإيجاد الحلول. ولن تعدم الحلول: فعندها مرافق التخزين التي يمكن تأجيرها وكذلك تملك موقعا شاسعا استراتيجياً قرب المدن الأكبر في الاردن وهذه ميزة تنافسية جيدة (فالأنسب دوما التكرير قرب نقاط الاستهلاك الاكبر). على المصفاة فقط أن “تشد حيلها وتقلع شوكها بايدها” بدلا من حالة التراخي الاحتكارية التي يسببها ضمان ربحها السنوي من قبل الحكومة على حساب الاقتصاد وجيب المواطن … ورئتيه!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية