كيف للأردنيين أن يطمئنوا في زمن الحرب والتعتيم الإعلامي؟

الأحد 22 أيلول 2013

رصد سوسن زايدة

قلق أردني من حرب في سوريا لن يهدأ بتصريحات رسمية متناقضة وتغطيات إعلامية بلا معلومات تساعد في معرفة وفهم ما يحدث. المسؤول الأردني يطمئن بأنه “لا داعي للقلق والخوف…والأردن قوي وقادر على مواجهة أية تداعيات لحماية مصالحه وأمنه”، وأن “الأردن يملك القدرة على حماية أراضيه وسمائه“، و”الأردن لم ولن يشارك في إدخال مقاتلين وأسلحة إلى سورية“.

تصريحات تكررت عن حياد الأردن من الأزمة السورية، إلى درجة استفزت الكاتب صالح القلاب للقول أنه “لا ضرورة أن تتكرر التأكيدات وأكثر من مرة في اليوم الواحد على أن هذا البلد لن يكون منطلقاً لأي عمل عسكري ضد «الشقيقة» المجاورة“. لكنها تناقضت مع إعلان الرئاسة الفرنسية عن أن “فرنسا والأردن والسعودية والإمارات اتفقت على تعزيز دعم المعارضة السورية في مواجهة النظام“، ومع تصريحات رئيس الوزراء عبدالله النسور للبي بي سي عن أن “الأردن يؤيد توجيه ضربة جراحية محدودة ومدروسة بعناية” لسورية بقيادة الولايات المتحدة، لكنه لن يشارك في أي حرب ضد سورية“.

قليل من المعلومات الدعائية رشحت عن مسؤولين أردنيين، تلقفها الإعلام المحلي من وسائل إعلام غير أردنية، وتحديدا خليجية، عن أن “الأردن اشترى علاجا للسارين“، وأن “تقديراتنا الاستخباراتية تشير إلى أننا لسنا بحاجة إلى أقنعة واقية من الغازات“، وأن “وزارة الصحة الأردنية أعدت خطة طوارىء لمستشفيات الشمال“.

وباستثناء الكاتب محمد أبورمان في صحيفة الغد، لم يتطرق أي من الكتاب الصحفيين إلى تناقضات التصريحات الرسمية واللاشفافية بخصوص الموقف الأردني الرسمي والشعبي من الأزمة السورية. ولم يجد المواطن الأردني ما يعنيه في تحليلات الكتاب وتغطيات الصحفيين، ولا في متابعات الفضائيات العربية المنشغلة بصانعي الحدث الكبار ولا تتسع لدول صغيرة لا تملك سوى انتظار الحدث واستقبال مخلفاته.

أعمدة “الرأي” مرآة لتناقضات الموقف الرسمي

الموقف الرسمي الأردني المتنازع بين ضغوط حلفائه ومموليه للمشاركة في إسقاط النظام السوري وبين مخاوفه من تداعيات الحرب وصعود التيارات الإسلامية في المنطقة، يحتاج إلى تعددية وديناميكية في الخطاب الإعلامي. ففي حين تحتاج الحكومة إلى أصوات سياسية وإعلامية مؤيدة لضربة عسكرية على سوريا تغازل بها الأصدقاء في الخليج والغرب، تحتاج كذلك لأصوات معارضة للضربة وللولايات المتحدة لتأمن جانب النظام السوري.

في حين تحتاج الحكومة إلى أصوات سياسية وإعلامية مؤيدة لضربة عسكرية على سوريا تغازل بها الأصدقاء في الخليج والغرب، تحتاج كذلك لأصوات معارضة للضربة وللولايات المتحدة لتأمن جانب النظام السوري.

وهذا قد يفسر التباين بين التصريحات الرسمية للإعلام الخليجي والغربي وبين التصريحات التي تخص بها الحكومة إعلامها الرسمي المحلي، ولا يبقى للإعلام الخاص المحلي سوى إعادة نشر ما يتوفر في الإعلامين الرسمي والأجنبي. ونفس التفسير قد ينسحب على التناقضات في المقال الواحد، أو بين مقال وآخر لنفس الكاتب، في صحيفة “الرأي”، لتلبية متطلبات المرحلة بأن يبدو الموقف الرسمي محايدا بين مواقف شعبية ونخبوية معارضة ومؤيدة للضربة العسكرية في سوريا.

ومن متطلبات المرحلة أيضا إعلان وتسويق مواقف غير المعمول بها في الواقع. فكتاب صحيفة “الرأي” الذين خاضوا مع الحكومة معاركها ضد فضائية “الجزيرة” القطرية، يستعينون الآن بأساليبها في توظيف الخطاب المعادي للولايات المتحدة، من دون التطرق للعلاقات الأردنية-الأمريكية، بهدف التعتيم على الموقف الفعلي للأردن الذي لا يقوى على مخالفة مصادر تمويله الخليجية والأمريكية.

ويبقى المتطلب المحلي لخطاب معادي ومحرض ضد الإسلاميين مهمة ثابتة ورئيسية لكل من يكتب في صحيفة “الرأي”، يضاف إليها مهمات فرعية تخدم مصالح الحلفاء كتهويل الخطر الإيراني والشيعي.

بعد بدء الحديث عن ضربة عسكرية محتملة في سوريا، انبرى كتاب صحيفة “الرأي”، وهم الأكثر عددا بين الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية، للكتابة عن الحدث. قرابة عشرة من كتاب الصحيفة الرئيسيين كتبوا، خلال النصف الأول من شهر أيلول الجاري، أكثر من سبعين مقالا بين تحليلات انطلاقا من التاريخ، تنبؤات استنادا على أحكام مسبقة، وصايا من موقع الأب، وتكرار لما يقال كموظفين ملزمين بالكتابة اليومية، تنوعت فيها الآراء بين مؤيد، مع بعض المواربة، لضربة عسكرية لإسقاط النظام السوري، وبين معارض لها وللتدخل الأجنبي. صب الكتاب فيها الهجوم على أعداء الأمة، فكانت الصدارة للولايات المتحدة وإسرائيل في مقالات كتاب، وإيران وحلفائها في سوريا ولبنان في مقالات آخرين. لكن كتاب “الرأي” أجمعوا على ثلاثة أهداف: استمرار الهجوم على جماعات الإخوان المسلمين أينما كانت، التحذير من النفوذ الإيراني، وتجنب الحديث عن الموقف الأردني من الأزمة السورية، سوى للتأكيد على مضمون التصريحات الرسمية عن حيادية الموقف الأردني.

أنشط الكتاب كان صالح القلاب، الذي كتب 11 مقالا عن الأزمة السورية خلال أسبوعين. وكان فيها الأكثر وضوحا في التعاطف مع المصلحة الخليجية في ضربة عسكرية تسقط النظام السوري وحليفه الإيراني، ومنها مقاله ” نحو صياغة جديدة لتحالفات المنطقة”. حتى أن إحدى مقالاته في الشهر الماضي استفزت السفير السوري في الأردن للتعليق وإلقاء التهم والشتائم على الكاتب.

وفي حين أوحت أربعة من مقالاته، من خلال العنوان والمقدمة، أنها عن الموقف الأردني المحايد لكنها انتقلت سريعا إلى زاوية إقليمية ودولية لا دور للأردن فيها، كما في مقاله “موقف الأردن واضح ولا تجبروه على غيره“.

الكاتب نصوح المجالي نجح في مقالاته الأخيرة بتقديم تفسير وتحليل إخباري مستند إلى معلومات راهنة، جمع فيها تفاصيل وخيوط متفرقة في المشهد الدولي، كما في مقاله “روسيا تقود الأحداث في الشرق الأوسط“. لكنه يظهر تناقضا في مقالاته الأخرى تعكس تأييدا خجولا لـ”ضربة أمريكية موسعة” على النظام السوري بوصفه حليف “الدولة الفارسية“: العدو الأكبر للأمة العربية. لكن عداءه لإيران ونفوذها يتصارع في مقالات أخرى مع عدائه للولايات المتحدة التي “دعمت عودة النظام الاخواني في مصر“.

وكما الموقف الأردني تتأرجح مقالات الكاتب سلطان الحطاب بين تأكيد صريح على “أن الأردن لم ولن يتدخل في الشأن السوري أبداً” وتحذير من عواقب “تدخل مباشر لاسقاط النظام السوري“، وبين تأييد مستتر لضربة أمريكية على سوريا، من خلال طرح تساؤلات استنكارية عديدة عن أسباب “تخلى الرئيس أوباما عن تهديداته الحاسمة في اسقاط النظام“.

وكذلك كانت مقالات الكاتب رجا طلب القليلة عن الأزمة السورية، في ظل انشغاله بالحدث المصري ومهمة الهجوم على الإخوان المسلمين.

مقالات الكاتب طاهر العدوان التي تعبر عن رفض “للاستعانة بالأجنبي” أي كان، مال في مقالاته الأخيرة للتركيز على خطورة “المشروع الإيراني بعمقه المذهبي في العراق ولبنان ومعركته حاليا في سوريا“.

وكتب طارق مصاورة تسعة مقالات عن الأزمة السورية، امتازت بالإيجاز والاقتصاد بالأفكار لتوفيرها لمقالات قادمة. اقتصر بعضها على مشاعر حنين للماضي، ذكريات الشباب وتذكير ببعض الأحداث التاريخية قليلة الارتباط بالحاضر، كما في “…معلولا من الذاكرة!“. وفاضت مقالات أخرى بالتنبؤات والوصايا غير المستندة إلى معلومات وتحليلات، مثل ما رآه من “وضوح الصورة أكثر“. ومقالات أخرى كررت، بكلمات مختلفة، ما تضمنته سابقاتها، في “.. هو توافق دولي وسيبقى كذلك!“، “الروس يربحون!“، “لضم خيوط الأخبار!“.

تميزت مقالات كبيري كتاب صحيفة “الرأي”، فهد الفانك ومحمد خروب، بالوضوح والثبات في تحديد الحركات الإسلامية كعدو أول في كافة السياقات، المحلية، المصرية، السورية، والدولية. وبذلك ظهر الموقف المعادي لضربة تقضي على النظام السوري وتدعم صعود التيارات الإسلامية المعارضة.

فالفانك في مقالاته يبرر امتلاك “السلاح الكيماوي السوري” ويصور “أوباما كداعية حرب“. وتهاجم مقالات خروب “اليانكي الأمريكي” وتتغزل بالبطل الروسي الذي “نجح في ايقاف الاندفاعة الاميركية الهوجاء“.

ويتابع كتاب صحيفة “الرأي” مهمة ملء أعمدتهم اليومية لقيادة رأي عام في طريق ثنائي الرؤية لصراعات مذهبية، إما بين نفوذين سني وشيعي، ليس للأردن دور بينهما وإنما ثمنا للمساعدات التي تتقاضاها من دول الخليج، أو بين تيارين حكومي وإسلامي في صراع محلي أردني.

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية