البدول، والمشكلة التاريخية

الخميس 17 كانون الأول 2009

إحدى الواجهات في البتراء مع قرية أم صيحون في الخلفية

بقلم أنيس المعاني

قبيلة البدول، إحدى قبائل الحويطات والمقيمة تاريخياً في مدينة البتراء الأثرية، استعملت أراضيها للزراعة ولرعي ماشيتها واستعملت كهوفها للتخزين والسكن احتماءً من برد الشتاء.


في بدايات القرن العشرين بدأ السياح بالتوافد على البتراء وبدأت البعثات الأثرية بالعمل الجاد في المدينة، فحصل البدول على مصادر دخل جديدة بتعاملهم مع الأجانب مما عوضهم عن توقف الرحلات التجارية التى كانت تصل معان بغزة قبل ظهور الحدود.

مع زيادة الوعي بأهمية البتراء، بدأ العمل في العام 1967 على تحويل المنطقة إلى محمية أثرية وتحسين وضعها سياحياً تحت إشراف وزارة السياحة ودائرة الآثار. تقرر إخراج البدول من البتراء لاعتبارهم عائقاً أمام حماية وترميم الآثار ولاعتبار وضعهم واستعمالهم الكهوف لا يتفق والصورة المرجو تقديمها للسياح عن الأردن.


في ربيع العام 1985 تم ترحيل البدول إلى إسكان بني خصيصاً لهم على تلّة أم صيحون المطلّة على البتراء. كان الإسكان وموقعه مثاراً لجدل لم ينته حتى الآن للأسباب التالية:


– الأراضي التي أقيمت عليها تتبع عشائرياً الى أهالي وادي موسى الذين كانوا يستغلونها بالزراعة ولم يتلقوا تعويضاً عنها، كما أن البدول لم يحصلوا على حقوق زراعة الأراضي المجاورة التي تتبع أيضاً لأهالي وادي موسى، برغم فقدانهم للأراضي التي كانوا يزرعونها في البتراء.


– إنحصرت أماكن الرعي بمحيط الإسكان: جنوباً داخل المنطقة الأثرية السياحية وشمالاً وغرباً باتجاه منطقة بيضا ووادي مروان غرب الدير، مما أدى إلى خلل كبير في النظام البيئي النباتي لعدم إمكانية البدو تنويع مناطق الرعي.


– تلة أم صيحون مكشوفة لبرد قارس في فصل الشتاء.


– بنيت المنازل بطريقة اخلتفت عما كان متّفق عليه مع البدو مما أجبرهم على تعديلها وبناء إضافات على نفقتهم الخاصة في موسم سياحي سيء، فكان تمويل احتياجاتهم عن طريق بيع أجزاء من قطعانهم.


– لم يرافق ترحيلهم أي خطة حكومية لإيجاد مصادر دخل تعوضهم عن المصادر المفقودة.


– مساحة الإسكان المحدودة لا تسمح بالانتشار مع أن الزيادة السكانية الطبيعية تتطلب الآن بعد عشرين سنة من الإنتقال منازل أكثر.

تبع إخراجهم من البتراء قرارات تنظيمية منها حصر عدد المحلات التجارية فيها وحصر عدد المنتفعين منها، ثم تم دمج هذه المحلات في محلات أقل و أكبر واشترك المنتفعون في حصص فيها. ينتفع المالكون منذ سنين من هذه المحلات، يعملون بها مباشرة أو يؤجرونها أو يضمّنونها لآخرين من البدول أو غيرهم، إمكانية الإنتفاع من السياحة بالنسبة للبدول تكاد تنحصر في هذا المجال خاصة وأن التضييق عليهم بقانونيّة أو عدم قانونيّة استعمال معرفتهم بالموقع كأدلاء (غير مرخّصين) أو البيع كباعة متجولين، وأخيراً أصدرت الحكومة تصاريح دخول إلى البتراء لتلك الفئة التي تملك حصصا مما يقلل أيضاً من فرص الآخرين بالانتفاع وبالتالي يقلل من شأن السياحة كمصدر دخل للبدول.

أثّر الإنتقال على البنية الاجتماعية للبدول وعلى عاداتهم البدوية، كما أثر في تركيبة القبائل داخل العشيرة وعلى استقلالية الفرد في القبيلة، كما أثر على علاقة البدول بالعشائر المحيطة بمناطقهم وببدو الجنوب بشكل عام. مع مرور الوقت وتفاقم المشاكل وتجاهل مطالب البدول، تناست الحكومة وعودها التي كان من شأنها لو نفذت التخفيف من معاناة البدول الذين بدورهم تحملوا إلى أن طفح كيلهم وقرروا العودة إلى البتراء عام 1992 واستيقظت أم صيحون على بيوتها خالية. كانت مطالب البدول واضحة بخصوص توسيع رقعة الإسكان والحصول على أراض للزراعة والحفاظ على الحالة التي كانت عليها المحلات داخل البتراء، وجاء رد الحكومة واضحاً بوعدٍ بتنفيذ هذه المطالب. عاد البدول إلى إسكانهم وانتظروا سنين تنفيذ الوعود. طفح الكيل مجدداً في العام 2000 ونتج عن سوء فهم بينهم وبين الحكومة اشتباك مع رجال الأمن أدى إلى مقتل ثلاثة من شبابهم وتجديد للوعود الحكومية، هذه الوعود لم تنفّذ حتى الآن.


لم تتوقف الضغوط على البدول، ولم تتوقف القرارات التي تتجاهل وجودهم وصلتهم الحيوية بالسياحة وبالبتراء. تنوعت القرارات والمشاريع والضغوط وكان من آخر القرارات قراراً (توقف تنفيذه) بإقامة سياج على حدود المحمية بدأً ببناء سياج من بلدة وادي موسى محيطاً بإسكان أم صيحون ليصل إلى البوابة في الطرف الغربي من الإسكان كمرحلة أولى للمشروع. اعترض البدول على ما اعتبروه إساءة وما زالوا يعترضون على مشروع الحافلات التي ستقل السياح كبار السن من منطقة قصر البنت في وسط البتراء إلى خارج البتراء عن طريق أم صيحون. سيؤثر هذا القرار سلباً على أصحاب الجمال والحمير والعربات والخيل كما على أصحاب المحلات في طريق السياح للعودة.

نرى المشكلة تتكرر بوطء أبطأ في وادي رم مع بدو الزلابية الذين يسكنون في قرية رم، ونرى أنهم أيضاً بلا ممثل أثناء صنع القرار وأنهم يستشارون أحياناً بسطحية بدون العمل على فهم حالتهم فهماً شاملاً وعميقاً.

على وزارة السياحة العمل بجدية على فهم متطلبات البدو بشكل عام وعلى خصوصية بدو البتراء وبدو وادي رم خاصة بعد إعلانهما مجتمعين محميين من قبل الأمم المتحدة للحفاظ على هذه “الثقافة الإنساية النادرة”.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية