العرس الديمقراطي في الجامعة الاردنية

الأحد 20 كانون الأول 2009

قد يعتقد أي مراقب أن الشعارات و الهتافات التي تسبق الإنتخابات في الجامعة الاردنية تثير الفتن، أو أنها تشير الى عقلية لا تنفع معها أفضل وصفات الاصلاح، أو قد يتبادر الى ذهنه أن الأردن قد طبق فعلا مشروع الاقاليم ثم خطى خطوات اخرى و حصل كل اقليم منها على الحكم الذاتي، فيجد في احدى الكليات مرشح جنوب ومرشح شمال وما الى ذلك من تقسيمات.

بالطبع فقد اساء المراقب الفهم، فهذا هو يوم “العرس الديمقراطي”. هو اليوم الذي ينتخب فيه جميع اعضاء مجلس الطلبة تماشيا مع مبادئ الديمقراطية و التي لا تكتمل في يوم الانتخابات الا اذا شهد الحرم الجامعي احداث عنف و مشادات كلامية و هتافات قد يعرفها القانون على انها اعمال تسيء الى الوحدة الوطنية بينما يعرفها “الديمقراطيون” على انها من طقوس “العرس الديمقراطي”.

و تماشيا مع الرأي الذي يدعو الى تطبيق وصفة محلية للديمقراطية، فقد ابتدع الطلاب وصفة خاصة لها مصطلحات بمعاني خاصة واصول لا يجوز مخالفتها تمهيدا ليوم “العرس”.

من هذه المصطلحات مصطلح مرشح مستقل. يعرف لنا اساتذة العلوم السياسية المرشح المستقل ببساطة على انه ذلك المرشح الذي لا ينتمي الى حزب معين و ليس له ارتباطات حزبية، بينما يعرفه لنا الطلبة على انه المرشح الذي لا يمثل عشيرته او الاقليم الذي تنحدر منه اصوله، و هو مرشح محكوم عليه بالفشل مسبقا لانه ليس مدعوما ب” قاعدة”.

و للقاعدة حكاية اخرى، فالقاعدة هي سر النجاح، فالمرشح الذي يمتلك “قاعدة ” مكونة من الطلاب الذين يشاطرونه الاصل و اصوات اخرى مضمونة على اساس الاحراج الشخصي و قاعدة “بتمون” هو الاوفر حظا بغض النظر عن مؤهلات الشخص، أو وجود برنامج انتخابي ينوي العمل على تنفيذه.

تجدر الاشارة الى أن عدم وجود البرنامج الانتخابي لبعض المرشحين قد لا يكون عيب المرشح و ليس خطأه، فقد فات “جماعته” و “اولاد عمومته” و الذين يمتدون ليشملوا كل ابناء مدينته الاصلية ان يفكروا في برنامج يوم اجتمعوا ليقرروا المرشح الذي سيرث المقعد بحكم أنه “محجوز بالوراثة” كما رددوا في الهتافات و انصب جل جهدهم على القوائم التي تحمل اسماء زملائهم فقد بذلوا جهدا في تصنيفهم حسب الاصل لغايات الجرد ليس الا.

و عليه فقد تعددت اجابات احد المرشحين حين سئل عن برنامجه الانتخابي، فالتزم الصمت في احدى المرات، و اجاب مرة اخرى بان برنامجه “قيد الطباعة” ثم استسلم فاعترف بأنه لن يفعل شيئا كما لم يفعل من سبقوه و أن على الطلاب ان ينتخبوه كما انتخبوا من سبقه، و قد كان محقا فقد ورث المقعد و تعالت زغاريد “أولاد عمومته”.

أخطر ما في الامر ان عدد لا بأس به من أولاد عمومته و مؤازريه يعترفون بأن هذا التفكير يستند الى منطق خاطئ، و لا يساعد جهود الاصلاح في الاردن ان كانت جادة، و لكنهم لا يستطيعون البوح بهذه الافكار خوفا من ان “يهدر دمهم” و يصير قتلهم حلالا على مراى من الجميع لارتكابهم “الخيانة العظمى” و مؤازرة مرشح آخر ليس اسرائيليا بالمناسبة و انما مواطن اردني اخر تنحدر اصوله من منطقة اخرى.

يجادل مدير حملة احد المرشحين و اشد مؤازريه بأن الاساس الذي يستند عليه الترشيح خاطئ، فهو لا ينكر ذلك بل على العكس فهو يدعو الى الاخذ بمبدأ الكفاءة و اذا ما قدر له ان يوجه الطلاب فسوف يدعوهم الى ثقافة الكفاءة، الا انه يعلل موقفه بوجود ظروف تستدعي العمل على اساس الاصل في هذا الوقت بالتحديد، و هي ظروف في الاغلب تتعلق بوجوب “كسر عين” جماعات اخرى حتى و ان كان على حساب المصلحة العامة.

المؤازر نفسه يدعي ان ما يجري قد يشكل خطأ و لكنه لا يتوقع ان يستطيع الاردن تجاوزه، “اذا كانت أميركا سيدة العالم فيها عنصرية، فماذا نتوقع من الاردن؟”

من هذا المنطلق فهو لا يرى ضرورة للتغيير الان، فلننسى ان اميركا القوة العظمى ادهشت العالم بانتخاب اميركي اسود للرئاسة فهي على حد تعبيره ما زالت تعاني من آفة العنصرية، فلا داعي اذن ان يحاول الاردن ان يخرج نفسه من دائرة الاصطفافات ليتقدم لأنها محاولة مكتوب لها ان تفشل.

آخر تفاصيل المشهد أن يرث المرشح المقعد كما توعدت جماعته، فتهطل الامطار لحظة اعلان النتائج الا ان شدة الفرح لاحراز الفوز جعلت “أولاد عمومته” يحتملون البرد القارس ليوضحوا برنامجه الانتخابي و الذي تبين بعد طول انتظار انه “موس و قنوة و شبرية” من خلال الهتافات المليئة بمعاني الانتماء و التي رددوها على مسامع الجميع بمن فيهم رجال الامن الجامعي.

ثم زفت الديمقراطية في يوم عرسها على الطريقة الاردنية، و كانت بحسب مسؤولين بمثابة نموذج يجب الاقتداء به. و لحكاية الاصلاح تتمة.

*لينا شنك طالبة علوم سياسية في الجامعة الاردنية

الصورة أرشيفية / تصوير ربى عاصي

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية