التوجه نحو خصخصة التعليم المدرسي في الأردن

الأربعاء 06 كانون الثاني 2010

بقلم:  د. أسامة عبيدات

يعد موضوع  الخصخصة من المواضيع المطروحة للنقاش على المستوى العالمي سواء من الناحية  الإدارية أو الاقتصادية.  حيث أن العديد من دول العالم تواجه صعوبات اقتصادية وأخرى في نمو حجم المصروفات  للقطاع العام وعجز الموازنات العامة وتدني مستوى الكفاءة في الخدمات العامة، الأمر الذي أدى إلى ظهور الخصخصة كأحد الحلول المطروحة لعلاج هذه المشاكل.

في وقت  طغى توجه الخصخصة على كثير من مناحي  الحياة خاصة قطاع الخدمات الأساسية وفي مقدمتها التعليمية، ظهر في السنوات الأخيرة ما يعرف بصناعة التعليم وسط دراسات كثيرة تؤكد عدم قدرة الدول بما فيها الغنية والكبرى والمتقدمة على الاستمرار في تمويل التعليم والإنفاق على كل كبيرة وصغيرة فيه، وفي وقت أكدت دراسات وبحوث وجود تحديات مستقبلية تواجه العديد من الدول وفي مقدمتها ارتفاع تكلفة التعليم المتسارعة اثر الزيادة المطردة في أعداد الطلبة.   وللخروج من تلك المشكلة أو للحد من خطورة تفاقمها قامت العديد من الدول بالبحث عن مصادر تمويلية أخرى (غير حكومية ) تخفف العبء التمويلي على كاهل الدولة من جهة، وتعمل على توسيع فرص التعليم لمواجهة شدة الطلب الاجتماعي عليه من جهة ثانية ومواجهة الحاجة إلى تحسين التعليم في المدارس العامة من جهة ثالثة.

الخصخصة في الأردن مفهوم حديث بدأ تنفيذه في مجتمعنا، ولا عجب في ذلك فهي  وسيلة لتحقيق الهدف الاقتصادي  المتمثل بزيادة إيرادات الخزينة، الأمر الذي يعالج العجزَ أمام الإنفاق المتنامي الناجم عن تلبيةُ حاجات دوائر الدولة.  كما تعمل الخصخصة على  جذب رأس المال الخارجي والاستثمارات الحاملة والناقلة للمعرفة والتكنولوجيا إضافة إلى تشجيع رأس المال الأردني الهارب في الأسواق المالية والنقدية الدولية ، ولا ننسى معاناة غالبية مؤسسات القطاع العام المنتجة للسلع والخدمات من انخفاض الكفاءة وارتفاع التكلفة الحقيقية للخدمات والسلع، وإن النفع العام يقضي رفع كفاءة هذه المؤسسات وتقليل خسارتها وزيادة أرباحها.  وقد قامت الحكومة الأردنية بتبني برنامج وطني للخصخصة يأخذ بعين الاعتبار الجدوى والمسوغات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لها، ويحقق التكامل بين القطاعين العام و الخاص ، ويقسم دوريهما .

لقد جاءت عملية  الخصخصة في الأردن جزءاً من حزمة اقتصادية متكاملة تبنتها الحكومة  منذ بداية التسعينات في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي، وعليه فإن  توجها نحو الخصخصة لم يأت من فراغ، ولم تكن هذه العملية ترفاً اقتصادياً أو محاكاة لتجارب دول أخرى، وإنما فرضتها ظروف الاقتصاد الوطني والمستجدات الاقتصادية العالمية التي نتأثر بها بالإضافة إلى تحقيق أهداف اقتصادية متعددة.

يعاني التعليم  في الأردن من مجموعة من الصعوبات والعقبات، أهمها قلة الموارد وارتفاع كلفة الخدمات التعليمية والتربوية بسبب النمو الكمي والتطور النوعي لهذه الخدمات، ونتيجة لذلك كان لابد من زيادة حجم الإنفاق على التعليم بمراحله ومستوياته ومجالاته المختلفة، الأمر الذي تعجز خزينة الدولة عن الاستمرار في تلبيته لمحدودية مصادرها.  هذا الوضع يتطلب وضع الخطط والسياسات التربوية الناجحة والبدائل والحلول التي تكفل استمرارية المصادر التمويلية مع المحافظة على المسيرة التربوية وحمايتها من التعثر والتراجع وتدني المستوى.  وإحدى هذه البدائل والتي تم اللجوء إليها في العديد من الدول هي خصخصة التعليم.

وبسبب الحاجةُ  إلى  فهم موضوع الخصخصة و اسبابها ونتائجهل فقد تم اجراء دراسة استطلاعية شملت (57) فرداً يمثلون الإداريين  التربويين و(390) معلماً ومعلمة. هذا ويمكن تلخيص اهم نتائج الدراسة كالأتي:

أهم الأسباب والاحتياجات  التي تدعو إلى  خصخصة التعليم من  وجهة  نظر المعلمين والإداريين هي أسباب  أكاديمية، حيث اكد المشاركون على ان الخصخصة سوف تؤدي الى تحسين الكفاءة التعليمية للمدارس , زيادة مقدرة النظام التربوي الأردني على المنافسة الدولية , تحسين الكفاءة التدريسية للمعلمين  و الادارية للمدراء. هذا و سوف تودي الخصخة الى ايجاد تظام مساءلة.  ويمكن للخصخصة أن تزيد من كفاءة وفعالية المدارس.  ومن غير المعقول التمييزُ والمقارنة بين أن الموظف في القطاع الخاص ونظيره في القطاع العام ، فلو تم تبادل المواقع بين الإثنين فإن الموظف الأخير قد يُبْدِع في القطاع الخاص ، والمدير الناجح في القطاع الخاص قد يتراجع مستوى أدائه عندما يستوعبه القطاع العام ويطبعه بطبعه .  لأن الكفاءة العملية أو عدمها لاتتوقف على صفات الشخص المعني فقط بل على بيئة العمل أيضاً.  ومن المعروف أن العمل الحكومي مقيدٌ باللوائح والتعليمات الجامدة ، بينما يمتاز القطاع الخاص بالحرية والقدرة على اتخاذ القرارت السريعة ، والتي تعتبر من الدعائم الهامة للنجاح.

أما أهم المشكلات التي توقع المعلمون والإداريون أن تنتج عن خصخصة التعليم في الأردن فهي زيادة رسوم تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، إضعاف روح الولاء والانتماء للوطن، استهتار الطلبة بتعليمات الانضباط المدرسي.  واعتقد ان خصخصة التعليم ستعمل على تغيير هذه الصورة القاتمة، وإزالة المفاهيم الخاطئة من الأذهان؛ فالخصخصة من شأنها خلق جو تنافسي بين المدارس ، ومنح الطالب حرية في اختيار المدرسة التي يرغبها.

و من خلال النتائج التي توصلت لها هذه الدراسة فإنه يجب العمل على تطوير المدارس الحكومية  بحيث  تصبح قادرة على تلبية حاجات المجتمع ومواجهة تحديات العولمة. وهذا يعني انه ينبغي إضافة برامج نوعية على  التعليم تنمي التفكير والإبداع عند  الطلبة، ومراجعة النظام التعليمي باستمرار مع التركيز على الجوانب الأكاديمية وربطها باحتياجات السوق إضافة إلى التركيز على العلوم التقنية لإنشاء قاعدة من العمالة المتعلمة والمنافسة في عالم التقنية.  كذلك يجب العمل على تحسين الكفاءة التعليمية للمدارس وذلك من خلال التقييم المدرسي وإيجاد نظام لمراقبة ومراجعة وتقييم أداء المدارس.

د. أسامة عبيدات مدير قسم المتابعة والتقييم في المبادرة الأردنية للتعليم

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية