ثلاثة على الهامش

الثلاثاء 05 كانون الثاني 2010

حتى يرى الإصلاح السياسي النور في عام 2010 كما يعد المسؤولون، هناك مجموعة تتألف من  ثلاثة مواطنين أردنيين قد يكونوا أولى من غيرهم بالجلوس على الموائد السمتديرة و الانخراط في عمليات العصف الذهني لإعطاء تصوراتهم عن نوع الاصلاح الذي يناسب ” وضع الأردن”.

أولى هذه الشخصيات هو أبو خالد، و هو سائق تاكسي يعمل منذ ساعات الصباح الاولى و حتى ساعة متأخرة من الليل. ينتمي إلى طبقة مكونة من “المهمشين” الذين لا يستطيعون تسمية وزيرين على رأس عملهم لأنهم ببساطة غير معنيين بأسماء الوزراء ولا حتى أعمالهم و ان كانوا على رأس السلطة التي تتحكم بكل تفاصيل حياتهم.
حتى في ذروة أزمة الصحافة و مجلس النواب، عندما اتخذت الصحف المحلية الاربعة قرارا بمقاطعة أخبار المجلس لم يحدث أي فرق يذكر بالنسبة لابو خالد، فهو لا ينتخب لأنه لا يقتنع بالعملية برمتها و لم يقرأ الصحف المحلية منذ 20 عاما. هذا السائق ليس أميا و لكنه اتخذ قرارا بمقاطعة الصحف الاردنية على خلفية نشر احدها خبرا اعتبره مهينا في صياغته.

لا يهمه مرور عقدين من الزمان و ظهور صحف جديدة بدماء جديدة، لا يكترث بهامش الحرية الواسع نسبيا الذي تقدمه الصحف و المواقع الالكترونية و لا يبدي حماسة لمعرفة المستجدات المحلية، حتى اخبار ارتفاع اسعار المحروقات و التي تصب في صلب عمله و قوت يومه لا يتابعها لأن “النتيجة واحدة”، فهو يعتقد أن من قرر الزيادة “لن يأبه برأيي”.

hajjaj_participation

شخصية أخرى هي الطالب الجامعي سامي و الذي لا يعبر عن حالة فردية بل عن عقلية منتشرة في المجتمع الأردني. عندما اندلعت الحرب على قطاع غزة في كانون الثاني الماضي، كان غضب سامي و احساسه بالمسؤولية يدفعانه لفعل أي شيء يعبر عن تضامنه مع اخوته المنكوبين في القطاع. و على الرغم من أن الحكومة كانت قد عطلت العمل بقانون الاجتماعات العامة وسمحت بالمظاهرات التضامنية الا انه اختار الا يشارك.

هناك قناعة في ذهن سامي بأن أعين أجهزة المخابرات في كل مكان و أن تقريرا سوف يصدر بالتأكيد بأسماء جميع المشاركين ما قد يحول دون توظيفه بسهولة بعد التخرج. يشارك سامي هذا الخوف مئات الطلبة الذين يغادرون الحرم الجامعي أو أي مكان يكون فيه تجمع حتى يتجنبوا الوقوع في “الفخ”، هؤلاء لا يؤمنون بسلمية المظاهرة أو أنها قانونية أو أن المخابرات ليست متغلغلة في كل مكان كما يتوهمون.

هذه القناعة رسخها لهم في الغالب قصص سمعوها من ذويهم عن أقارب لهم أو أصدقاء تم التحقيق معهم على خلفية الاشتباه بمشاركتهم في مثل هذه التجمعات. حتى و ان كانت الرواية دقيقة، فإن أحداث هذه الروايات غالبا ما تكون قد دارت قبل حوالي ثلاث عقود في فترة الأحكام العرفية، إلا أنهم لا يأبهون اذا كان الأردن قد تخطى هذه المرحلة، و أصدر قوانين و ميثاق وطني يسمح بالعمل الحزبي الذي يرعبهم و يسمح بالتعددية، لا يؤمنون بفعالية تقارير المركز الوطني لحقوق الانسان الذي يسعى الى رصد اي انتهاك لحقوقهم الدستورية فيبقوا على الهامش ويستمتعون “براحة البال”.

الشخصية الثالثة و الأخيرة هي شخصية أبو سليم، صاحب محل تجاري في حي من أحياء عمان الغربية. أبو سليم لم ينتخب يوما ممثل له في مجلس النواب، ببساطة لأن ذهابه الى صندوق الاقتراع سوف يعني بالضرورة اغلاق المتجر ليوم كامل و خسارته قوت يومه من أجل نائب “من المستحيل أن يحدث فرقا جوهريا”.

أبو سليم يفضل العمل يوم الانتخابات على ممارسة حقه الدستوري، و قد تجده يشتم مجلس النواب “الفاسد” و يروي القصص التي لا تنتهي عن ” الثروات غير المشروعة” و لكنه لن يلوم نفسه لأنه لم يشارك، فهو معذور بحكم “ان يد واحدة لا تصفق”، ثم يعلل بقاءه في المتجر بأن “المقاعد محجوزة و محسومة قبل اعلان النتائج.”

يواجهه شخص متحمس للاصلاح بتبعات مواقفه اللامبالية، فيشرح له أنه بغيابه هذا سوف يمنح شخص غير مؤهل فرصة الجلوس تحت القبة و تصميم قوانين ظالمة سوف تضر بمصالحه في نهاية المطاف، ثم يقترح عليه أن يبدأ هو بالتغيير ان كان يؤمن به حقا، و عندما يعي أبو سليم ما يقوله “الاصلاحي” يهز برأسه و يستحضر من ذاكرته قصة عن محاولة اصلاح بائسة باءت بالفشل و يختتم بالقول الشهير “اذا كان الأكبر مني لم يغير، فماذا سأفعل أنا؟”

حسب استطلاع أجري مؤخرا ، لا يشكل الاصلاح السياسي أولوية بالنسبة ل 99 % من المواطنين، أبو خالد و سامي و أبو سليم و كل من يشبههم يعي ذلك تماما و لا يعيبه أن يبقى على الهامش مدى الحياة.

لينا شنك طالبة علوم سياسية في الجامعة الاردنية

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية