آخر موضة: الأيتام

الخميس 09 أيلول 2010

بقلم: مريم أبو عدس

Photo by Reway2007, licensed under Creative Commons.

شكله من يوم ما جلالة الملكة ابدت اهتمامها بالأيتام، صارت الموضة الإهتمام بالأيتام. كل ما نفتح الجريدة بنشوف احد المهمين عم بيفطر مع الأيتام وابتسامته العريضة بتغطي وجهه و هو بربت على احد الروس لطفل ملامحه مش واضحة. و كل ما نفتح الفيس بوك بنشوف احد الشباب الكول اللي بيشتغلوا في عملية الإحسان، ماخد اصحابه الكول و رايح يفطر مع الأيتام. و كمان صورهم وابتساماتهم العريضة وايديهم الحلوة على احد روس الأيتام اللي ملامحهم مش واضحة.

وين ما ادير وجهي، بيجي حدا بيطلب انه نتصدق على الأيتام. وكأنه الأيتام مخلوقات بتظهر مرة كل سنه و عشان هيك لازم نهتم فيها هذي المرة. و يمكن هذي المخلوقات بس بيحتاجوا الأكل مرة واحدة بالسنه، و بناء على هيك الناس بتهرع لتلبية هذي الحاجة؟ ما بعرف.

كشخص بيشتغل في مجال التنمية البشرية، بشعر اني بنكمش كل ما اشوف هذا العرض المذهل من الإيثار والمحبة اللي ما بدي اسميه منافق، لأني بقرارة نفسي بتأمل انه يكون هدفه نبيل ومش هدفه المظهرة.  بس لليوم رح اقول انه وللأسف غير مفيد. رح اترك هذه الفكرة هلأ، بس رح ارجعلها كمان شوي.

بتساءل، هؤلاء الأشخاص اللي بتساعد، هل عندها معرفة بالخصائص النمائية للأطفال واليافعين والشباب؟ هل عندهم وعي ودراية صحيحة بالإحتياجات المادية و النفسية لهؤلاء “الأيتام” اللي بطعموهم مرة كل سنه؟  هل عندهم وعي نفسي واجتماعي للنتائج اللي بترتب على تربية طفل او يافع انه يقبل الحسنة والصدقة بدون ما يكون عندة الكرامه والدافعية او الحرية أوالخيار الكافي انه يقول لأ؟ هل عندهم فهم للإتكالية واللامسؤولية اللي هذا الطفل رح يتربى عليها، و بالتالي نقص المهارات الكافية انه تساعده حتى يكون مؤهل انه يعيش حياة كريمة لما يصير عمر ة 18 أو 20 سنة لما بينرمى بالشارع و ما حدا يتطلع على خلقته؟

و بتساءل اذا هاي الناس اللي بتساعد، بتدرك انه مجموعة من المومسات و الشحادين اللي بنشوفهم بالشوارع و بنكش منهم و بندير وجهنا الهم هم خريجين بيوت الأيتام اللي بنطعميهم مرة كل سنه؟  هل سأل المحسنين حالهم شو فايدة الوليمه العظيمة اللي كانوا يطعموهم اياها مرة كل سنه؟ وينهم هلأ يشفوهم و هم بيموتوا من الجوع؟ هم أكلوا مرة و قضوا بقية حياتهم جوعانين لأنه ما حدا علمهم يطعموا حالهم.

ما بقترح انه الناس لازم توقف تعطي او تتطوع. على العكس تماما، الناس لازم تعطي، بس لازم تفكر بالمنهجية اللي بتعطي فيها. لأنه المشكلة هي مش بالعطاء، هي بالمفاهيم.

لما بحكي عن المنهجية، بقترح إشراك الأيتام بتحديد الأولويات اللي بتـأثر على حياتهم. و مشاركتهم في اتخاذ القرار و المسؤولية بالنسبة لهذي الأولويات كل السنه. و اذا هالمحسنين ما بيقدروا يساعدوا كل السنه، يمكن لازم يطلعوا باستراتيجية مفيدة، مثل اعطاء المصاري اللي صرفوها على الأكل لجهة مسؤوله عندها استراتيجية واضحة و طويلة الأمد. مثال المشاركة في التعليم، بناء المهارات، ايجاد فرص عمل مناسبة. يعني بمعنى اخر تمكين و تحسين ظروف حياة الأيتام و اعطاؤهم مجال انهم يكونوا مواطنين فعالين و منتجين، بدل ما يكونوا اشخاص اتكاليين، مش مسلحين انهم يواجهوا الحياة.

الخوف انه المصاري تروح بالفساد؟ يمكن هالمحسنين لازم يكون عندهم الجرأة انهم يطالبوهم بإنهم يكونوا شفافين في استراتيجيتهم وطريقة صرفهم للأموال اللي اعطوهم اياها.

بحب اوضح انه في فرق واضح و كبير ما بين مفهوم و فكر الإحسان و مفهوم و فكر التطوير و التمكين.  يعني تاريخنا الأردني اثبت انه الحسنه و الصدقة ما بتحل المشاكل. بالعكس تماما، فئات الشعب اللي اتعودت على المساعدات و الحسنه و الشفقة صارت اتكالية، ما عندها اي مهارات اساسية حتى اتدبر حالها و تعرف كيف تعيش بدون مساعدة.  بدليل الفقر والجهل اللي حولنا بالرغم من كل كمية المساعدات و الأحسان و الزكاة اللي كانت تهل علينا من سنة 48.

الأشخاص اللي اتمكنوا بمساعدة من ناس او جهات متخصصة قدروا يغيروا حياتهم و يرفعوا من مستواهم و يرفعوا معهم الناس اللي حولهم، و هذا واضح كمان من المجتمع اللي حولنا، في مئات الأمثلة حول كل واحد فينا بتأكد هذا الكلام.

نرجع للفكرة فوق،  يمكن بنكمش كل ما اشوف هذا العرض المذهل من الإيثار و المحبة لأنه فيه توثيق بالجرايد و الفيس بوك و المدونات وبالتالي احتفال و تكبير و تعظيم  لفكر الإحسان اللي يفترض انه يكون صامت و مجهول. بعني نتذكر فكرة “ايدك الشمال ما بتعرف شو اعطت ايدك اليمين”  بينما الأجدر بهذا التوثيق والتعظيم انه يروح لفكر التمكين و التطوير و خلق نماذج و قصص ناجحة يمكن يكون فيها فائدة حقيقية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية