أزمة ثقة

الأحد 23 كانون الثاني 2011

خلال الأشهر القليلة الماضية، بدأت أفكر في كلام الأشخاص الذين “كفروا ” بالسياسة و هؤلاء الذين “غسلوا ايديهم”، وذلك لأن كمية الأسئلة التي تؤرقني تجعلني أستعيد كلامهم وأتساءل ان كانوا قد كسبوا الرهان وأن الأمل “معدوم” كما كانوا دائما ينظًرون.

بالنسبة لي، لدي حاليا “أزمة ثقة” تزداد خطورة يوميا، وهذه ليست بالضرورة الأزمة ذاتها التي يكتب عنها المحللون منذ عقود، بل هي أزمة ثقة مع كل من يصنع السياسة في الأردن، من حكومات، ومجالس نواب، وصحافيين، وحتى المعارضين والأفراد العاديين.

عندما كنت أتابع اللقطات من الجمعة الغاضبة، سررت جدا بمستوى الجرأة التي اتسمت بها الشعارات والهتافات، وسررت بأن المسيرات انتهت من دون تصادم يذكر مع قوات الأمن، وقد أثبتوا فشل نظرية هؤلاء الذين يكررون يوميا على مسامع معارفهم “لا تطلع من بيتك ما بتنضرب”، أو بكلمات أخرى “خليك ساكت ما حدا بيقرب عليك”، ثبت العكس في هذه المرة حيث هتف المتظاهرون بجرأة عالية ولم يتعرض لهم أحد، على الأقل في الأسبوعين الماضيين.

أما عندما أدقق بالتفاصيل، فلم أعد أثق بأشخاص تصورهم الصحف على أنهم من “الأرقام الصعبة” ومن “أقطاب السياسة الأردنية”، ويصورهم كتاب الأعمدة على أنهم في حالة “شد وجذب” دائمة مع الحكومة وهم في واقع الأمر ليسوا بمعارضين. لا بد أن ذلك يجري في كل الدول وأن السياسة فيها الكثير من النفاق والتزلف في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك فلا زلت لا أفهم الصورة كاملة، فما معنى أن يكون أحد أهم أحزاب المعارضة ليس معارضا أصلا؟ وما معنى أن نسمع الأخبار ليلا نهارا تنقل لنا مواقف هؤلاء ثم نكتشف بأن جميع مواقفهم متفق عليها مع الحكومة؟ حتى تلك المواقف التي تبدو وكأنها نوع من المعارضة، يقال لنا أنها صنعت خلف الكواليس.

اذن ما معنى التضييق على هذا الحزب؟ وما  معنى أن يلاحق المنتسبون له وأن يفصل الطلبة على خلفية انتمائهم له؟ هل كل هذه المشاهد ضرورية لإكمال قصة المعارضة الوهمية؟ أم أن المنتسبين الشباب لا يعلمون ما يدور في خلد القادة وقد انجروا وراء عواطفهم وحماسهم بينما تدور حسابات أخرى في القمة؟ لا أفهم قصة الطلاب الذين يفصلون بسبب انتمائهم الحزبي ونشاطهم السياسي عندما تكون الحكومة ليس لديها مشكلة أصلا مع الحزب المعني؟ ولماذا تتصل الجامعات بأولياء أمور الطلبة لتشير انتباههم لانتماءات أبنائهم السياسية؟
وتنطبق الأزمة على الاعلام أيضا، فأشعر بالاستفزاز من تصريح يدعي بأن “الاعلام الالكتروني أصبح مصدرا موثوقا للمواطن الأردني”، لدي مشكلة مع وصف الاعلام بأنه “مصدر موثوق” وذبك لكثرة التناقضات والتصرفات التي لا تبعث على الثقة.

كيف أثق – على الأقل أنا أتحدث عن نفسي فقط- بإعلام قام بفبركة قصة كاملة ملأت الصحف الالكترونية والورقية عن تصريحات مزعومة لناشطة حقوقية، وبدأ كل الكتاب والمعلقين بتكرار اسم بطلة القصة وانتقادها وشتمها في كل فرصة ممكنة، يتكرر ذكرها في التعليقات التي “لا تسيء للوحدة الوطنية” وتتهم الناشطة بأنها تسعى لاشعال “حرب أهلية”، وهي تقسم بأنها لم تتفوه بكلمة واحدة مما نقل على لسانها وأن القصة مفبركة؟

كيف أثق بكتاب أعمدة انهالوا عليها بالمقالات وهم يعلمون حقيقة القصة؟ كيف أثق بإعلام تقرر هيئة أو مجموعة باسمه أنها لن تسمح بالتعليقات على “أحداث الفيصلي والوحدات” لأن هناك من “يتربص بالوحدة الوطنية” بينما يتعدى عدد التعليقات الـ500 تعليق على مواضيع أخرى مثل سحب الجنسيات وأخبار تعديل قوانين الانتخاب وغيرها من الأمور التي تفتح باب النقاش حول الهوية.

أثق فقط بنوع من الناس لم يدخلوا إلى معترك السياسة والمصالح بعد، ولا يزالون في دائرة الحماس للمشاركة وممارسة حقوقهم الطبيعية، هؤلاء الأشخاص الذين لم يصلوا لمرحلة الصفقات التي وصل اليها من يحركهم، أثق بهم وأتساءل ان كانوا فعلا قادرين على احداث التغيير وسلك الطريق الذي لا يؤدي بهم حيث أدى بقادتهم. أثق في طالب يضطر لنكث الوعد الذي قطعه على نفسه ليرضي أهله، فبعد أن شاهدته “جارتهم” وهو يتحدث باسم الكتلة التي ينتمي اليها على شاشة الجزيرة عن طريق الصدفة علم أهله بنشاطه السياسي، وقد حذروه مرارا من الخوض في السياسة خوفا على مستقبله وخوفا من أن يفصل من الجامعة وهم بالكاد يستطيعون تأمين رسوم الجامعة ولا يحتملون اعادة المواد أو الساعات، وعدهم وقتها بألا يتدخل في أي شأن سياسي إلى حين التخرج، ولكنه يخرج في مسيرات الجمعة الغاضبة قبل التخرج ويخبرهم بأنه يدرس مع أصدقائه! أثق بحسن النوايا وبالحماسة للمشاركة ولكنني فقط أتساءل عن قوة حسن النوايا المطلوبة للتغلب على ما يدور خلف الكواليس أثناء الاتفاق على الأدوار المقبولة وحدود المعارضة!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية