الثورة التي أسقطت المثال

الخميس 10 شباط 2011

الثورات الإلكترونية التي قادت إلى حرية الشعوب

بقلم أسامة طلفاح

ما يحدث اليوم من ثورات تشهدها البلاد العربية ضد الأنظمة التي حاربت الحرية أشبه بالحلم الذي لازمنا منذ طفولتنا، وهنا أتحدث عن جيل الشباب الذي بات يؤمن إيماناً قطعياً أنه لا يختلف عن نظيره الغربي الذي بهرنا بما لديه، وأن من حقه العيش ضمن إطار من الكرامة والحرية والديمقراطية، بل إن ثورات الشباب العربي اليوم تثبت للعالم أننا بتنا نعيش زمن “يقضة العرب” إذا جاز التعبير.

فهؤلاء الشباب انتصروا لإرادتهم، ولإنها – إرادة الشعب – بات ذلك الحلم الذي كنا نبحث عنه حقيقة نعيشها اليوم. فقد عبّر الشباب العربي اليوم عن النقص الي كان يعيشه ويفتقر إليه أيما تعبير من خلال الثورات السلمية التي قادها والتي يسجلها  التاريخ بكل فخر.

فقد عشنا  حالة من الضياع والعبث، بحثنا من خلالها عن وطن يلبي  طموحاتنا وآمالنا التي لم تكن من المعجزات يوماً، لكننا لم نجد ما بحثنا عنه في ذلك الوطن، أي وطن، حتى خلق الشباب لنفسه فضاءً وطناً عِبر شبكة الإنترنت من خلال إنشاء المدونات التي أعادت عصر التدوين إلينا اليوم لكن بحلة جديدة وأسلوب آخر، أو من خلال المواقع الاجتماعية التي ظنَّ الكثيرون أنها ما هي إلا مضيعة للوقت وأنها أداة لإلهائنا عن ما يدور من حولنا.

حتى ذلك  الفضاء الوطن الذي أوجدناه ضمن ذلك الحيز الإلكتروني لم يسلم من العقلية البوليسية للحكومات العربية التي توارثتها من القرن الماضي، والتي لم تستوعب أن نظرية “تجويع” الشعوب قد تلاشت، فتمت ملاحقة الكثير من المدونين والناشطين على تلك الشبكات الاجتماعية الذين عبروا عن آرائهم واستيائهم جراء فقدانهم الحرية والعيش الذي يضمن لهم كرامة بحثوا عنها في أوطانهم.

ويبدو أن التاريخ  العربي الحديث قد بدأ منذ أن أيقض البوعزيزي بجسده الطاهر روح أمة  بأكملها، وقاد بعدها الشباب التونسي ثورته نحو الحرية من خلال ذلك الفضاء الإلكتروني الذي جمعهم كوطن وبدأوا بعدها طريقهم للحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد والفاسدين .

واليوم ينتفض الشباب المصري ليسجل درساً كبيراً وعظيماً ليس فقط  للأنظمة العربية القمعية وإنما للعالم كافة من خلال إصراره لإنتزاع الحرية التي لطالما بحث عنها ضمن ذلك الحيز الجغرافي ، فاليوم لا مجال للعودة للوراء ولا مجال للإصغاء لأي صوت إلا لصوت الوطن والحرية. فقد حان الوقت لسلخ عقلية القرن الماضي التي روعتنا بها الحكومات العربية، وحان الوقت للمراهنة على إرادة الشعب التي من خلالها تتحقق لنا صورة ذلك الوطن الذي لطالما بحثنا عنه.

أبطال تلك الثورات لم يكونوا من المعارضة بأي صورة لها، ولم يسعى أيٌّ منهم إلى السلطة، ولم يكن لأيٍ منهم أية أطماع شخصية، بقدر ما أيقنوا أنهم يفتقرون إلى الحرية والكرامة، وأن الوطن الذي رسموا له صورة جميلة في خيالهم بدأ يتلاشى ويضيع، فأقسموا أن لن يموتوا ما دامت الأبجدية البيضاء حية فيهم تنبض.
هذه الثورات  التي تحدث اليوم – ثورات إلكترونية سلمية- قربت وجهة نظر الشعوب العربية من بعضها إلى حد التطابق بعد ما سُلخنا عن عروبتنا وجزّأنا وقزّمنا قضايا أمتنا، فاليوم نستطيع أن نكتب تاريخنا بشيءٍ من طهارة وكبرياء.

وبالنهاية فإن هذه الثورات قد أسقطت التمثال والمثال لتبقى إرادة الشعوب هي من تصنع المستقبل والحرية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية