الإصلاح في زمن الحداثة، بين النخبة والجماهير

الإثنين 11 نيسان 2011

بقلم محمود أبو صيام

في زمن الحداثة وما بعدها وما فوقها وتحتها، ومع تنامي الدعوات الإصلاحية، أصبحت بعض النخب تمارس شعوريا أو لا شعوريا دور “حراس التنوير” في “مملكة الظلام”.

وفي إحدى النقاشات التويترية يقول مدون أردني أنه ليس مستعدا في القرن الواحد والعشرين أن يرد على من يجرؤ على القول بأن “الشو إسمو” هو الحل، حسب تعبير صاحبنا.

ومع تسليمنا بالدور الإيجابي للنخب وفضلها في التنوير والتنظير إلا أن القدرة على النقد الذاتي من أهم سمات الرؤية الإصلاحية الشمولية. تباهي النخب بعلوها الفكري وتجاوزها المعرفي لعامة الشعب لا يخدم قضية الإصلاح، بل ربما تدفع نظرة التعالي من قبل (التنويريين) لبقية أفراد الشعب (الظلاميين) البعض إلى الدفاع لا شعوريا عن الفساد والظلم والانضمام لمعسكر خصوم الإصلاح مع نقمتهم وسخطهم على الفساد الذي طال كل مفاصل الدولة.
المنطق الذي يدعي بأن الجماهير بحاجة لعملية “تنجير” من قبل النخب الحداثية المتنورة هو وجه آخر للمفاهيم الفوقية التي طالما روج لها المسؤولون العرب، وهي أن الشعوب غير جاهزة وغير مؤهلة للديمقراطية، لذلك هي بحاجة ليد عليا تهديها سبل السلام.

أثارت الرواية الرسمية التي تزعم أن الإخوان هيجوا الحراك الشعبي عاصفة انتقادات واسعة من قبل عديد من الكتاب والمثقفين باعتبار أن ذلك يحط من وعي الجماهير ويعتبرها قطعان يسوقها الإخوان، لكن النخب ذاتها لم تكن أكثر ثقة بهذا الوعي إذ أن منهم من ينظر بعين الريبة والشك لبوصلة المزاج الشعبي.

بل و يعبر مدون و ناشط إصلاحي مشهود له وبعد أن خرج جريحا من أحداث الداخلية عن عدم قناعته بالديمقراطية كنظام حكم في نهاية المطاف، لأنه افلاطوني – نيتشوي يعتبر “الديمقراطية” نظاما معاديا للثقافة والحكمة. ومن هنا وعلى هذا الأساس ينبغي أن نفسح مكانا لانقسام جديد في المجتمع: الحكماء إزاء الدهماء!
من الواضح أن النخب التغييرية والمعارضة تشترك مع الدولة في الاستخفاف بالشعب ووعيه وذكائه، والمطلوب هو إعادة الاعتبار للعقل الجمعي الجماهيري من قبل الدولة والنخب على حد سواء، لأنها وحدها القادرة على فرض التغيير وفعل ما لم تفعله النخب والأحزاب، فقد سقطت مقولات الفرد المُخلّص، والتيار أو الحزب المخلّص، وحان وقت المراهنة على الشعب والكف عن اعتبار افعاله مجرد ردود أفعال اعتباطية صادرة عن تأثر عاطفي.

أزمة أخرى كشف عنها صوت الجماهير الذي بدأ يعلو جمعة بعد جمعة، وهي ذلك التباين الواسع بين ما يعوم على سطح المجتمع في الصالونات الثقافية والسياسية وما يدور في أعماقه، ودون الانتقاص من قيمة التنظير في الحداثة والدوغمائية والسفسطائية والوجودية والعدمية إلا أنه قد قل من اشتغل بالتفكير في وسائل تفضي لتخليص الشعب من نير الفساد والغلاء والاستبداد .

ومن حسنات الثورات العربية أنها أسقطت مقولات تقدم النخب وتخلف المجتمع، فإلى كل مثقف ومفكر و مدون وصحفي وسياسي وكاتب: إذا أردت أن تصلح مجتمعا فلا تنفصل عنه ثم تحط من شأنه وتهين خياراته، فأنت جزء أصيل منه ومن مشكلته.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية