بينما تجتمع اللجان

الأحد 08 أيار 2011

بقلم لينا شنك

عندما أستمع إلى أخبار اللجان، أتمنى أن تعي هذه المجموعات تماما ما معنى أن تنتمي إلى جيل ضاع بين أزمة الهوية والاحباط المزمن لمن سبقه، معنى أن يضيع هذا الجيل بين المعاني المتعددة لضمير “هم”، فالضمير اما أن يشير إلى الحكومة التي هي ليست منا ولسنا منها ولا تأبه لصوتنا كأن يقال “بدهم يعملوا” في اشارة إلى أي قرار حكومي واما أن يكونوا “هم” هؤلاء الذين لا يشاركوننا المنبت ذاته، فأنا من ذاك الجيل الذي ضاع بين هذه الاعتبارات. في القصص التالية، تتبين صورة الأردن الذي عرفت وهي التي شكلت جزءا من الوعي لدي بما يجري من حولي.

في العام الماضي، دار حديث بيني وبين السائق التاكسي الذي كان يقلني من الجامعة الأردنية، وبعد أن سألني السائق عن تخصصي، استطرد بالحديث مع الاحتفاظ بالحذر من الطرفين، حتى لا يقع أي منا في “الفخ”، فكنا ننتقي الكلمات بدقة حتى لا نتطرق إلى خطوط حمراء كنا في غنى عنها. في تلك الأثناء، كان التحضير يجري على قدم وساق للانتخابات وكنت أود أن أعرف ان كان السائق من هواة النوم ومن “جماعة المدللين” يوم الانتخابات أم أنه ينتخب، فسألني هو عن أي انتخابات أتحدث، وعندما قلت أنني أقصد انتخابات مجلس النواب، كرر السؤال بسخرية ودهشة، وقال “ليش في انتخابات؟”.

للوهلة الأولى، تذكرت كل الأقاويل في حينها والاشاعات حول حل مجلس النواب الذي كان “خطوة تمهيدية” باتجاه “حل القضية الفلسطينية” وتحقيق “الكونفدرالية”، وهي ذات المخاوف التي أثيرت عند مناقشة مشروع الأقاليم، فصمتت قبل أن أجيب ليسبقني بالقول “اذا مفكرة في انتخابات، معناتك بعدك بتعرفيش الدنيا! هاي اسمها تعيين مش انتخابات، أحكيلك جوز أختي عسكري انتخب المرة الماضية شو بدك أحسن من هيك؟”!

قلت وقتها بأن المركز الوطني لحقوق الانسان تطرق في تقريره للتزوير، وهي محاولة بائسة مني لأذكره بأن هناك من يهتم، فهز برأسه وذكرني بزمن كان مجلس النواب يضم وقتها “نسوان بتسوى 10 زلام مثل توجان فيصل” واختتم الحديث بالترحم على تلك الأيام، أيام الهيبة والوقار على حد تعبيره، ثم بتعليق ساذج، سألته لم لا يشتكي ان كان يعتقد بأن له حق قد ضاع، فاستغرب من الاقتراح وقال “على مين بدي أشكي على جوز أختي؟”، فالتزمت الصمت.

في موقف مشابه، سمعت من طلاب عن طباع أستاذ في الجامعة يقال بأنه غير منصف وهو الوحيد الذي يدرس المساق مما اضطرهم لإعادة دراسة المادة لفصلين متتاليين بالرغم من أنهم كانوا يستحقون النجاح في المرة الأولى، فرحت أتساءل عن سبب سكوتهم وقبولهم بدفع مستحقات دراسة المادة مرة أخرى واقترحت أن يتحدثوا إلى عميد الكلية، فجاء الجواب سريعا : “ارتاحي، رئيس الجامعة قرابته!”، فالتزمت الصمت مرة أخرى.

ثم كان هناك حديث آخر مع الطلاب في موسم الانتخابات الطلابية، وكنا قد اقترحنا أن نصوت على أساس غير اقليمي وهو ما كان بمثابة “اختراق” في ذلك الوقت، فطلب منا أحد الناخبين مهلة ليفكر بالموضوع، وعاد في اليوم التالي ليقول بأنه أمضى الليل وهو يفكر ويسأل نفسه ان كان يستطيع أن ينتخب شخص آخر ينافس ابن مدينته الأصلية وقرر بأنه من “المستحيل” أن يفعل ذلك بـ”ابن عمه”، فالتزمت الصمت هذه المرة أيضا.

اليوم، واللجان مجتمعة في خلوتها، أتمنى أن يكون هناك من يعرف ألم أزمة الهوية وعمقه، أتمنى أن أرى –خارج اطار اللجنة- مراجعة لمفهوم الهوية التي ندفع ثمنها غاليا من تعطيل لاصلاح وتقسيم لمجتمع هو في الأصل مجتمع واحد. كم هو مضحك أن يقال لنا بأن السياسات تصاغ بالصورة الحالية لاعتبارات متعلقة بالحفاظ على “الهوية”، ثم تسأل شخصا عن صلة قرابته بفلان الذي يشاركه الاسم الأخير، فيقول بأنه لا يعرفه “لأنه احنا في منا بقلقيلية وفي منا اجو على معان.”

ومن المضحك أيضا أن نصنف اليوم الاتجاه السياسي على أساس الأصل، بينما كنا في الخمسينات والستينات لا نعرف هذه التقسيمات، ويقال لنا بأن الديوان والوزارة ومجلس النواب كلهم كانوا يضمون أبناء الضفتين، تماما كما كان سجن الجفر يستقبل أبناء الضفتين! بما أننا نستخدم الذاكرة الانتقائية، نسينا ذلك الزمن وأصبحنا نبحث عن حل سطحي مؤقت للأزمة فتارة نقترح الغاء النوادي الرياضية الكبرى وتارة نقترح منع ارتداء الكوفيات داخل الجامعات وننسى بأننا أبناء بلد واحد! أتمنى أن نعي بأن من سمى الوضع القائم “توازنا للمصالح” جانب الصواب، لأن هذا ليس توازنا ولو كان كذلك لما ولد كل هذا الاحتقان والغليان ولما شعر الجميع من شتى المنابت والأصول بالتهميش والظلم كل على طريقته.

ان كتب لمقترحات اللجان أن ترى النور هذه المرة، فإن الأردن يستحق أن يولد جيل جديد من السياسيين الذين يستطيعون أن يقربوا قدر الامكان المسافة بين السياسة والأخلاق، فقد سئمت من الاستماع لأشخاص وقيادات تقول خيرة الكلام في المجالس، ويترك لدي هؤلاء انطباع بأنهم مثقفون واصلاحيون ونزيهون، ومن ثم أذكر اسمهم أمام من خالطهم وعاصر فترة استلامهم للمنصب ليسرد لي تفاصيل الفساد الذي تورطوا به! أود أن أحتفظ بقدر من الاحترام لشخصية سياسية لمدة أطول من أيام معدودة! لربما هذا هو السبب باطلاق وصف “شباب بلا أطر”، لربما لأننا لا نجد اطارا نثق به للفترة الكافية.

الأردن يستحق أن يكون لديه اعلام لا يقوده صحافيون لا يرون عيبا في تبديل المواقف، يستحق اعلاما مهنيا ومحايدا، ويحتاج من الناس أن تعي أن الاعلام له أخلاقياته التي تحتم عليه الحياد، فلا داعي لتعليقات غاضبة من موقع اخباري محلي لأنه نقل وغطى أخبار نشاطات لجماعة سياسية “لم تعلن على الملأ تأييدها لبيان جماعة أخرى”، فقد كان المعلقون يعاتبون الموقع لنشر أخبار الجماعة ويدعون الموقع لمقاطعتها حتى يعودوا لقراءته!

من الواضح أننا لم نحسم بعد أمر “الدجاجة والبيض”، فمنا من يؤمن بأن القوانين هي أساس الخراب وبالتالي فهي أساس الاصلاح، ومنا من يرى بأن اصلاح القوانين وحده لا يكفي ولا يجب أن يسبق اصلاح المجتمع، وغيرها من التوجهات. بيد أن الصورة التي تحفزنا تكاد تكون واضحة، فبالنسبة لي، مخرجات اللجان والمجموعات “المتكاملة” التي تعمل على تحقيق الاصلاح -حتى لا أنسى أن الاصلاح كما علمتنا التصريحات اليومية “يحتاج لتكاتف الجهود”- لن تعني شيئا ان لم تمكنني من أن أشهد يوما ألمس فيه أن الاحباط الذي غمر الجميع في السابق قد زال، وفي هذا اليوم سيحق لي أن أفتخر بهوية أردنية منفتحة ومتعددة، وسأملك خيار الانضمام لجماعة سياسية لها أفكار واضحة لا تتبدل بين الليل والنهار، وسأشارك في صنع قراري والتقدم بشكوى لدى جهاز فعال ومستقل في حال حدوث انتهاك، ويومها سأجد اعلاما مستقلا وصادقا ان لم يستطع أن يقول الحقيقة فضل الصمت على أن يساهم في تعميق الأزمات.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية